لأنه مناهم في الدنيا أمورا ، وأملهم تأميلا فيما اتبعوه ، فلم يصلوا إلى شيء من ذلك ، وفي الآخرة بقوله : أن لا بعث ولا جنة ولا نار ، ولهم فيها عذاب ؛ فخسروا الدارين جميعا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ).
قيل : في الأسفلين ، وقيل : في المهزومين ، وقيل : في الآخرين ، وقيل : هو في الآخرة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [البقرة : ٢١٢] ، وأما في الدنيا فربما يكونون هم الغالبين.
ومنهم من يقول : ذلك في الدارين جميعا هم الأذلاء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي).
أي : قضاء الله لأغلبن (١) ، ثم قال بعضهم : ليغلبن محمد صلىاللهعليهوسلم كقوله ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] ، وفعل ذلك.
وجائز أن يكون المراد منه جملة رسله ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات : ١٧١ ـ ١٧٣] ، وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٥١] ، ثم الغلبة قد تكون من وجهين :
أحدهما : بالحجج والبراهين ، وما من رسول إلا وقد غلب على خصمائه بالحجة.
والثاني : بالقتال والحرب ، وكانت العاقبة للرسل ـ عليهمالسلام ـ لما لم يذكر أنه قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والله أعلم.
وإضافة الغلبة إلى نفسه ؛ على إرادة الرسل [و] أوليائه ؛ على ما ذكرنا في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
قوي بذاته ؛ لأنه يكون قوة من دونه ، وكذلك كل من دونه بتكوينه.
أو يكون فيه بشارة لأوليائه أنه قوي عزيز بذاته : أنه ينصرهم على أعدائهم ويقهرهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ ...) الآية.
قال عامة أهل التأويل : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ؛ لأنه كان كتب إلى أهل مكة : إن رسول الله يقصد إليكم ؛ فخذوا حذركم ، وكان له بمكة أهل ؛ فأراد أن يكون له عندهم يد ، فشعر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «ما حملك على هذا؟» فقال ما ذكرنا ؛ فنزلت الآية فإن كان نزولها فيه على ما ذكروا فهي في براءته من وجهين :
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه الطبري عنه (٣٣٨١٢).