أي : يهانون في ذلك العذاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً).
يخبر أن أموالهم التي لأجلها تولوا اليهود وعاندوا المؤمنين لا تغنيهم تلك الأموال من عذاب الله شيئا إذا نزل بهم ، ثم أخبر عن شدة سفههم أنهم يحلفون في الآخرة كما يحلفون لكم في الدنيا بقوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ).
ثم فيه أن الآية لا تضطر أحدا إلى الإيمان به والتوحيد ؛ لأن الآية [ليست] أعظم من قيام الساعة ، ثم لم يمنعهم ذلك عن الكذب والكفر به ، ولا اضطرهم إلى الإيمان به ، وكذلك قوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] في الدنيا ؛ فإذا كان ما ذكرنا ، كان تأويل قوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١] : أنهم يؤمنون إذا شاء الله ، ولا يؤمنون ، وإن نزل عليهم الآيات التي ذكر ، ولا آية أعظم مما ذكر من إنزال الملائكة ، وإحياء الموتى ، وتكليمهم أنهم على الباطل ، وأن الحق هو الذي دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليه ؛ دل هذا كله أن الآية لا تضطر أهلها على الإيمان ، والله أعلم.
وقوله : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ).
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : (اسْتَحْوَذَ) ، أي : غلبهم الشيطان (١).
وقال مقاتل : أي أحاط بهم.
وقال الزجاج والقتبي : أي : استولى عليهم. وذلك كله يرجع إلى معنى واحد ، وفيه أن الشيطان قد سلط عليهم حتى غلب عليهم بإجابتهم بما دعاهم إليه من معاداة الله ورسوله والمؤمنين ، ولكن سلطانه على ما ذكر ، وهو قوله : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) [النحل : ١٠٠] فعليهم إذا عملوا بما أراد وأجابوه إلى ما دعا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ).
يحتمل : أي : أنساهم عظمة الله ، أو نعم الله وإحسانه ، أو شكر نعمه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ).
الحزب هو جمع الفرق ؛ تحزبوا ، أي : تفرقوا ، فحزبه هو جنده كما قال أهل التأويل ؛ لأنهم يصيرون فرقا ، ثم يجتمعون ، فيكونون جندا له ، وجند الرجل هم الذين يستعملهم فيما شاء من القتال وغيره ، ويصدرون لرأيه ؛ فعلى ذلك أولئك الكفرة هم جنده.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ).
__________________
(١) ذكر الطبري في تفسيره دون أن ينسبه لأحد (١٢ / ٢٥).