أي : على كل شيء من الإحصاء والحفظ وغير ذلك شهيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ).
فإن كان هذا الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يكون فيه دلالة رسالته أن أطلعه على ما أسروا فيما بينهم من المكر برسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وتناجوا بينهم من الكيد والخداع ، أطلع الله ـ تعالى ـ رسوله على ذلك ؛ ليعلم أنه بالله علم ذلك.
والثاني : بشارة له بالنصر والمعونة ، وهو كقوله ـ تعالى ـ لموسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ : (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٦] ، أي : أسمع ما يقول لكما وما يجيب ، أو أرى ما قصد بكما ، وأدفع عنكما ما قصد بكما ؛ فعلى ذلك ما ذكر له : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) : فيطلعك على ما هموا بك وأسروا فيك ، فينصرك ويدفع عنك كيدهم.
وجائز أن يكون الخطاب ليس لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة ؛ ولكن لكل في نفسه ؛ فيصير كأنه قال : ألم تر إلى عجائب ما أنشأ من السموات والأرض قبل إنشاء أهلها فيهما ، فإذا رأيت عجائب ما أنشأ من السموات والأرض وأهلهما ، وعلمت ذلك فاعلم أنه بما يكون من نجواهم ، فيما ذكر عالم ؛ فيخرج على التنبيه والزجر عن الإسرار والنجوى.
ثم قوله : (رابِعُهُمْ) ، و (سادِسُهُمْ) ، و (مَعَهُمْ) ونحوه يجب أن ينظر إلى المقدم من الكلام ؛ فيصرف قوله : (هُوَ مَعَهُمْ) إلى ذلك ، نحو قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) [النحل : ١٢٨] ، (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت : ٦٩] ونحوه ـ يكون معهم في التوفيق والمعونة لهم والنصر ؛ فعلى ذلك ما ذكر من قوله : هو معهم في النجوى وما أسروا فيما بينهم ، أي : شاهد معهم حافظ عليهم ، يدفع عنكم كيدهم ومكرهم وينصركم ، والله أعلم.
وقوله : (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
أي : ينبئهم بما تناجوا وأسروا من الكيد يوم القيامة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ).
هذا الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : اعلم أن الذين نهوا عن النجوى ، (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ ...) الآية.
وفيه دلالة إثبات الرسالة ؛ لأنه أخبر أنهم عادوا إلى ما نهوا عنه وهو النجوى ، ومعلوم أنهم لا يعودون إلى ما نهوا عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولكن عند غيبة منهم ؛ دل أنه بالله علم.