الحاجة إلى معرفة ما يجب فيه من الأحكام ، ثم تأخر نزول بيان ما يجب عليهم ؛ فطلبوا من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيان الحكم ؛ فدل أن البيان قد يجوز أن يتأخر عن وقت قرع الخطاب السمع ؛ بخلاف الأولى ؛ لأن في الأول قد ظهرت الحاجة واشتدت لوقوع النازلة وفي نزول العام الذي أريد به الخصوص لا وكذلك على هذا ما نزل من أحكام الإيلاء والقاذف زوجته بعد وقوع النازلة بأوقات ، دليل على ما ذكرنا ، والله أعلم.
ثم جعل صيام شهرين بدلا عن العتق في كفارة الظهار والقتل وكفارة الإفطار في شهر رمضان ، وجعل في كفارة اليمين صوم ثلاثة أيام بدلا عن العتق ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك فيما تقدم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ).
صرح صاحب (الواضح) بأن قوله : (ذلِكَ) ، أي : ذلك أمرتم ونهيتم ؛ (لِتُؤْمِنُوا).
ولكن عندنا تأويل قوله : (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ) هو صلة قوله ـ تعالى ـ : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ...) الآية ، يقول : أخبركم بما كان ذلك منكم في السر ، وأطلعكم على ذلك ؛ لتؤمنوا بالله ورسوله ، أي : لتصدقوا وتعلموا أنه لا يخفى على الله من أعمالكم شيء.
ومنهم من قال : ذلك راجع إلى قوله : (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) أي : ذلك الفرج والمخرج عما امتحنتم به من الحرمة وما اشتد عليكم ؛ لتؤمنوا بالله ورسوله لما فرج عنكم بالخروج بما ذكر ، والله أعلم.
ومنهم من قال : (ذلِكَ) : القول المنكر الزور الذي قلتم وأعلمكم أنه منكر وزور ؛ لتؤمنوا بالله ورسوله ؛ فيخرج ذلك على الأمر بالشكر له ما أنعم عليهم ، وجعل لهم من الفرج والمخرج عما امتحنوا بأدائها ، وهكذا العبادات التي أمروا بها : أمروا ؛ لإحدى ثلاث خلال :
إما بحق الشكر بما أنعم عليهم.
أو لتسليم الأمر له والخضوع.
أو لحق الاستغفار والتكفير بما سبق من التفريط والتقصير ، والله أعلم.
وجائز أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) على غير هذا ، أي : ذلك الذي أنزل ؛ لتؤمنوا ، أي : لتجددوا الإيمان بالله ـ تعالى ـ ورسوله في كل وقت وكل ساعة ؛ إذ يلزم الناس إحداث الإيمان ، وتجديده لإحداث الرخص والعزائم التي تجددت والله أعلم.