في غير الوقت كان أولى من أن يؤدي الكل في غير الوقت ؛ لأنا نقول : ذكره في العتق والصوم لا يصلح أن يكون بيانا في الإطعام ؛ لأن البيان على وجوه ثلاثة : بيان نهاية ، وبيان كفاية ، وبيان تفصيل :
فأما بيان الكفاية : فهو أن يكتفى ببيان الواحد أو القليل عن الكل ؛ ليعرف ذلك بالاجتهاد والقياس على نظائره ؛ فيدل ذلك على معنى مودع فيه ، وأنه محل الاجتهاد والتقليد.
وأما بيان النهاية : هو أن يبين الكل على المبالغة ؛ حتى لا يبقى للاجتهاد فيه موضع.
وأما بيان التفصيل : هو الذي يبين في أكثره ، ولا يبلغ به نهايته ؛ فهو فيما يبين لا يتعدى إلى غيره ؛ إذ لو كان فيه معنى مودع يجمع الكل لم يكن لذكر الزائد عليه وترك بعضه معنى.
وهاهنا بيان تفصيل دون كفاية ؛ إذ لم يكتف بذكر في واحد ، ولا هو بيان نهاية ؛ إذ لم ينه البيان في الكل ؛ فهو بيان التفصيل الذي ذكرنا أنه يقر في المذكور ، ولا يتعدى إلى آخر ، ولو كان ذكر ذلك لبيان الوقت لاكتفى بذكره في الواحد عن الكل ؛ إذ ذكر في الكل على المبالغة ؛ فلما ذكر على بيان التفصيل دل أنه [ليس] لبيان الوقت ، ولكن لنفي المسيس عن خلال الصوم والعتق المذكورين دون الطعام الذي لم يذكر فيه ، وتبين أن إخلاء الصوم والعتق عن المسيس حكم عرفناه بالنص غير معقول المعنى ؛ فلا يتعدى عنه إلى غيره ، ويكون مثاله ما ذكر في قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ...) الآية [النساء : ٩٢] ، على ما عرف في موضعه ، والحاصل في المسألة طريقان : أحدهما : بحق القياس ، والآخر : بحق الاحتياط.
أما القياس ما ذكرنا أن قوله ـ تعالى ـ : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) لإخلاء الصوم عن المسيس عن خلال الكفارة ، لكن إنما ذكر في الإعتاق والصوم دون الإطعام ؛ فدلنا ذلك على أنه بيان تفصيل ؛ فيكون دليلا على قصر الحكم على المنصوص ، ومنع التعدية إلى غيره ؛ لما هو علم أن العقول تقصر عن إدراك ذلك المعنى ، فجعلنا نفي المسيس عن خلال الصوم والعتق واجبا بالنص ؛ حتى لا يكون كفارة بدونه ، ولم يجعل في باب الإطعام شرطا.
وأما طريق الاحتياط ، فهو أنه لما احتمل أن يكون لبيان الوقت أو لنفي المسيس عن خلال الصوم ، فأخذ فيه بالاحتياط ، وفي الإطعام أخذ بالقياس ؛ لما أنه لم يذكر فيه المسيس ، وذكره في الصوم والعتق لم يكن بيان كفاية حتى يكون ذكره ذكرا في الإطعام ؛