موجب للتحريم ؛ لأن رافع الحرمة لا يجب بما يجب الحرمة ؛ كما ذكرنا في الوضوء : أنه لا يجب لما يحدث الذي هو رافع للطهارة ، ولكن لما وجب على المكلف الصلاة بالطهارة ، ويجب عليه الوضوء بالإقدام على الصلاة التي لا تجوز بدونه ؛ فكذلك هذا ، والله أعلم.
وقول من جعل العود هو العزم على إمساك النكاح والبقاء عليه ـ فاسد ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم أوجب الكفارة على أوس بن الصامت حين ظاهر من زوجه ، ولم يسأله الإمساك والبقاء على النكاح.
ولأن تفسير العود بالإمساك لا يستقيم ؛ لأنه لم يعرف في الأصل إمساك المرأة عودا عليها ولا إمساك شيء من الأشياء يتكلم بالعود إليه ؛ فيكون هذا خلاف اللغة ، ولما ذكرنا : أن العود إلى الشيء هو الرجوع إلى ما كان عليه ؛ فيقتضي انعدامه وزواله حتى يتحقق العود ؛ إذ العود هو وجود ثان ، وهذا إنما يتحقق فيما قلنا من الجزاء ؛ لأنه قد يبدل بالحرمة ، فأما العقد [فهو] قائم لم يزل بالظهار ؛ فكيف يعود إلى العقد؟ فلا يكون البقاء على العقد وإمساك المرأة بالنكاح عودا.
ولأن الله تعالى قال : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) ، و «ثم» يقتضي التراخي.
ومن جعل العود هو الإمساك والبقاء على النكاح ، فقد جعله عائدا عقيب القول بلا تراخ ، وذلك خلاف ظاهر الآية.
وقول من جعل العود هو العزيمة على الوطء ، لا معنى له ؛ لأن موجب الظهار هو تحريم الوطء لا تحريم العزم على الوطء وإن كان العزم على المحظور محظورا ؛ لكونه وسيلة إلى المحظور ؛ فيكون العود هو الرجوع إلى ما يقوى به مقصودا لا وسيلة إلى حسب الأول.
ولأنه لا حظ للعزيمة في حق تعلق الأحكام في سائر الأصول ؛ ألا ترى أن سائر العقود والتحريم لا يتعلق بالعزيمة ، فلا اعتبار بها ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى عفا عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا به ويعملوا» (١).
وقول من جعل العود تكرار القول الأول فاسد أيضا ، وإن كان ظاهر اللفظ يحتمل ، وهو العود إلى القول الأول ؛ لأنه خلاف الإجماع وخلاف أصول الشرع :
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٣ / ٤٠٠) كتاب الأيمان والنذور : باب إذا حنث ناسيا في الأيمان (٦٦٦٤) ، ومسلم (١ / ١١٦) كتاب الإيمان : باب تجاوز الله عن حديث النفس (٢٠١ / ١٢٧) من حديث أبي هريرة بلفظ : «إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم».