ذلك إليها.
وعند بعض أصحابنا يجبر في الحكم أيضا على ذلك ، فإذا أقدم على ذلك يجب عليه تحصيل الكفارة ؛ ليتوصل إلى إقامة ذلك الواجب عليه من الجماع ؛ إذ لا يحل ذلك بدون الكفارة ، وهذا كالوضوء في باب الصلاة ليس بفرض مقصود بنفسه ، لكن يجب لإقامة الصلاة ؛ إذ لا يجوز الصلاة بدون الطهارة ، فإذا أقدم على الصلاة يجب عليه تحصيل الوضوء ؛ ليتمكن من أداء ما عليه ، ولا يجب بنفس الإرادة ، ولا يجب بنفس الحدث ؛ حتى لا يجب الوضوء ما لم يدخل وقت الصلاة ، ويقوم إليها ، وكذلك المرأة إذا حاضت بعد الوقت حتى سقط عنها الصلاة يسقط الوضوء ، فعلى ذلك هذا يجب عند الإقدام على إقامة هذا الواجب وهو الوطء ، والظهار شرط ؛ ولهذا إذا ماتت المرأة تسقط الكفارة ؛ لانعدام ما هو المقصود بالإقدام ، وهو الوطء ، وكذلك إذا طلقها ثلاثا أو بائنا لكن إذا عادت إليه يلزمه الكفارة إذا أقدم على الوطء ، ولم يبطل الظهار ؛ لاحتمال حصول الغرض ، والله أعلم.
ويحتمل وجها آخر : وهو قوله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ...) الآية هذا خبر عن ظهار القوم الذين كانوا يظاهرون في جاهليتهم ، أي : ظاهروا في ذلك الوقت ، ثم يعودون لما قالوا ، أي : لو قالوا ذلك القول بعد إسلامهم فعليهم ما ذكره ؛ إذ الظهار كان ظاهرا في الجاهلية من عاد إلى ذلك القول ، ورجع إليه وقت إسلامه ؛ فعليه ما ذكر ، وهو كقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] فهذا يرجع إلى فعل ذلك مرة ، وإلى استحلال ما حرم الله ثانيا ، وإن عاد إلى الفصل الأول لا من وجه الاستحلال ، فينتقم الله منه بالغرامة عليه ، وإن عاد إلى استحلال ، فينتقم الله منه بالعذاب ؛ وكذلك مثل هذا في آية الربا ، حيث قال : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ) [البقرة : ٢٧٥] ، أي : عاد إلى ما كان يفعله قبل الإسلام ، فكذلك هذا العود إلى الظهار على هذا التقرير يخرج تأويل الآية عنده ، وهو كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) [المجادلة : ٨] أي : كانوا يتناجون في الجاهلية ، فنهاهم الله تعالى عن العود إلى ما كانوا عليه ؛ فعلى ذلك يحتمل هذا ، والله أعلم.
لكن على هذا التأويل الإقدام على الوطء سببا لوجوب الكفارة لم يثبت بهذا النص ، إنما فيه أن الظهار يوجب تحريما مؤقتا بالكفارة ، وكذلك الأحاديث التي ذكرنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر أوسا بالكفارة حين ظاهر من زوجه ، وإنما يعرف من حيث الدلالة ؛ فإنه لما كان التحريم مؤقتا بالكفارة ، يكون رافعه له قائما ، ويجب الرافع بالإقدام عليه ، لا بسبب سابق