كحقوقهن وأحكامهن ؛ حتى يباح لهم [في] المعاملة مع نسائهم ما يباح مع أمهاتهم ، ويحرم ما يحرم معهن ويكون احترامهن كاحترامهن ، والله تعالى لم يجعل ذلك ، ونهاهم عن ذلك ، فقال : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) ، أي : كأمهاتهم في هذه الحرمة التي يريدون إثباتها ، وأنه لم يجعل لنسائهم حرمة أمهاتهم ، ثم قال : (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) ، أي : أن هذه الحرمة التي يريدون إثباتها فيهن مما جعلنا لأمهاتهم اللائي ولدنهم ، فما بالهم يخترعون من أنفسهم شيئا لم أجعله ، ولم أشرعه ؛ فرد صنيعهم بهذا.
وعلى هذا يخرج تأويل قوله : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) ، إنما كذبهم بما قالوا من إيجاب تلك الحقوق والأحكام على أنفسهم في نسائهم من غير أن جعل الله تعالى ذلك ، أي : وإنهم ليقولون منكرا وزورا في إيجاب الحقوق فيهن كما في الأمهات ، وتشبيههم إياهن بالأمهات في الأحكام والحقوق والحرمة ، وإن كان كلامهم وقولهم من حيث ظاهر التشبيه ليس بمنكر ولا بزور ، وهذا كقوله في وصف المنافقين : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١] ، وهؤلاء المنافقون فيما قالوا في الظاهر كانوا صدقة ، ولكن لما كان قصدهم غير ذلك ، وكان في قلوبهم إيجاب شيء غير ما أظهروا ـ سماهم : كذبة ، فكذلك هؤلاء المظاهرون لما أرادوا إيجاب حكم لم يجعل لهم ذلك سمى قولهم : منكرا وزورا.
والمنكر : هو الذي لا يعرف في الشريعة ، والزور : هو الكذب ؛ فنهاهم الله تعالى عن ذلك.
وأما قولهم : إن الله تعالى قد سمى غير من يلزمهم : أمهات من نساء النبي ـ عليهالسلام ـ والمرضعات ـ : منهم من قال : جائز أن تكون هذه الآية متقدمة على قوله : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) [النساء : ٢٣] ، وعلى قوله : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦] ، فلم يكن في ذلك الوقت أمهات من رضاع ، ثم كانت من بعد ؛ فيكون الإخبار بهذا مقيدا بذلك الوقت ، وهو كقوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) [الأنعام : ١٤٥] ، لم يجد في ذلك الوقت ، ثم وجد من بعد ذلك غيره محرما ، فعلى ذلك هذا.
وقيل : يحتمل أن يكون قال ذلك في قوم خاص وقبيلة خاصة ، لم يكن لهم أمهات من إرضاع ؛ فيكون الإخبار بأن أمهاتهم لسن إلا اللائي ولدنهم صدقا.
ولكن هذا تكلف ؛ لأن قوله : (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) يعني : أن هذه الحقوق والأحكام التي يوجبون ليس تثبت إلا في الأمهات اللاتي تلدنهم ، أو من كانت في معناهن