سورة الواقعة وهي مكية
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً)(٢٦)
قوله ـ عزوجل ـ : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) هذا مما لم يبتدأ به الخطاب ، وإنما هو جواب سؤال وخطاب لم يذكر ؛ فيحتمل أن يكون المؤمنون ذكروا كراماتهم التي وعدوا في الآخرة ، فقال لهم أولئك الكفرة : متى يكون ذلك لكم؟ فقالوا : إذا وقعت الواقعة ؛ كما يسأل الرجل : متى يكون أمر كذا؟ فيقول : إذا كان كذا ، فهو حرف جواب لسؤاله ، وعلى هذا يخرج جميع ما ذكر في القرآن من هذا النوع ؛ من نحو قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١] ونحو ذلك ، وقوله : (الْواقِعَةُ) كناية عنها ، جائز أن يكون تأويله : إذا وقعت المثوبة والعقوبة ؛ فتكون الواقعة كناية عنها.
وجائز أن تكون الواقعة : اسما من أسماء البعث : كالقيامة والساعة ، وغير ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) ، قال بعضهم (١) : أي : ليس لوقعتها مثنويّة ولا ترداد ، يقال : حمل عليه فما كذب ، أي : فما رجع.
وقال بعضهم : أي : هي حق ، ليست بكذب.
وقال بعضهم : أي : لا يكذب بها أحد إذا وقعت ، ليست كالآيات التي عاينوها في الدنيا مع ما عرفوا أنها آيات كذبوها ؛ كقوله تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر : ١٥] ، وغير ذلك يكذبونها مع العلم بأنها آيات ، يقول تعالى : إذا عاينوا القيامة يقرون بها ؛ ويصدقونها ، ولا يكذبون بها ؛
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٣٣٢٤٦) ، (٣٣٢٤٧) وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٢١٦).