الخلائق ، وإذا كان كذلك فلا بد من رسول يخبرهم ويعلمهم ما لا يقف عليه العقل من كيفية شكر المنعم ، ومقداره ، ووقته ، ونحو ذلك ، يؤكد ذلك الأمر والنهي بالوعد والوعيد ، ثم كان له وضع الرسالة فيمن شاء ، وفي أي جنس شاء ؛ لأنه حكيم عليم ، لا يكون منه الخطأ في التدبير والجهل بالأصلح والأوفق بالحكمة ؛ فدل ذلك على إثبات الرسالة والبعث بعد الموت ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) يخرج على وجهين :
أحدهما : أي : انظروا إلى ما ذكر.
والثاني : قد نظروا بأبصارهم ، لكن لم ينظروا نظر معتبر بنظر القلب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) قيل (١) : من صدوع وشقوق ، والواحد : فرج ، وهو الموضع بين الموضعين ، والفرجة من الفرج ، ومنه يقال : فرجت عنه الغمّ ؛ أي : كشفت ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) [الملك : ٣] أخبر أنكم لم تروا في السماء شقوقا وفطورا ، وفي الشاهد البناء وإن عظم وأحكم لا يخلو من نقصان أو شقوق ترد عليه ، فإذا لم تروا ذلك فهلا دلكم ذلك على أن خالقه قادر على الكمال لا يعجزه شيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) قد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) اسم الزوج يقع على الشكل والضد ، وكل ذي شكل هو ذو ضدّ.
والبهيج ما يبهج به ، فمعناه : أنبتنا من كل زوج ما يبهج به أهله ويسرون بذلك من ألوان النبات وجواهرها.
وقال القتبي : (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ما يبهج به أهله ؛ أي : من كل جنس حسن ؛ يقال : بهج يبهج بهجا فهو بهيج ؛ أي : حسن ، وأما من السرور ، فيقال : بهج يبهج بهجا فهو بهيج ؛ أي : مسرور.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي : تبصر ذلك كل عبد منيب ؛ أي : منفعة ذلك تكون لمن ذكر ، وهو العبد المنيب إلى الله ـ تعالى ـ والمقبل على طاعته ، فأمّا من اعتقد الخلاف له فلا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) سماه : مباركا ؛ لأنه يستعمل في أمر
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٣١٨١٤) وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١١٦).