ويحتمل أن يكون بعضه مفصولا عن بعض.
فإن كان على الوصل ، فكأنه يقول : أرأيتم ما تعبدون من دون الله من الأصنام وتدعونها آلهة : هل خلقوا مما لكم من المنافع ، ومما به حياتكم وقوامكم ومعاشكم مما يخرج [من] الأرض ، أو هل ينزلون لكم من المنافع التي جعلت لكم في السماء من الأمطار وغيرها.
أو هل أتاكم كتاب من عند الله فيه أنه أمركم بعبادة من تعبدونه (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) هو يخرج على وجهين :
أحدهما : أو جاءكم من الحكماء الأولين المتقدمين كتاب أو قول فيه الأمر بذلك ، واستخرجتم من العلوم ذلك ؛ ففعلتم به؟ يقول ـ والله أعلم ـ : إن الأسباب التي تحمل الناس على العبادة والخدمة لهم هذه الوجوه : إما منافع تتصل بهم منهم مما به قوامهم ومعاشهم وحياتهم وإما كتاب من الله ـ تعالى ـ فيه حجة لهم ، وأمر لهم في ذلك ، أو كتاب من الحكماء والرسل يأمرون لهم ، وهم قوم لا يؤمنون بالرسل ، ولا بالكتاب ، وليست لهم علوم مستخرجة من العلوم ، يقول : ليس لكم [شيء] مما ذكر من الأسباب والعلوم فبم عبدتموها؟ وكيف اخترتم عبادتها على عبادة من عرفتم أن ما به قوامكم وحياتكم منه؟! والله أعلم.
وإن كان مفصولا من بعض فيكون كأنه يقول : (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) من المنافع وغيرها ، (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ) فيما ذكر؟ فإن قالوا : قد خلقوا ما ذكر ، ولهم شرك فيما ذكر ، فقل لهم (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) من كتاب الحكماء أو العلوم المستخرجة من العلوم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنهم خلقوا ما ذكرتم ، أو لهم شرك فيما ذكر ـ والله أعلم ـ وقد علموا أنهم لا يقدرون أن يرونه ما ذكر ؛ لما لم يكن لهم من هذه الأسباب شيء ؛ إذ هي أسباب العلم ، وقد عجزوا عن ذلك كله.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال بعضهم (١) : أو خاصة من علم.
وقال بعضهم (٢) : أو بقية من علم أوائلهم ؛ وهو قول القتبي ؛ أي : بقية من علم يؤثر عن الأولين ، ويقرأ أثرة و (أَثارَةٍ) ، وأصله ما ذكرنا من الوجهين :
أحدهما : كتاب الحكماء والرسل.
والثاني : العلوم المستخرجة من سائر العلوم.
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٣١٢٢٥) ، (٣١٢٢٦) وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤).
(٢) قاله أبو بكر بن عياش ، أخرجه ابن جرير عنه (٣١٢٣١).