والثاني : أقم : أتمم.
(فَأَقِمْ) ما ذكرنا (لِلدِّينِ حَنِيفاً) : قال بعضهم : الحنيف : هو من حنف القوم وميله ، ومعناه : كن مائلا إلى الدين في كل حال وكل وقت.
وقال بعضهم : هو من الإخلاص والإسلام له.
وقوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
ثم فسر ذلك فقال : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) : هذا يحتمل وجوها :
(فِطْرَتَ اللهِ) ، أي : معرفة الله التي جبل الناس عليها أن يكون الله يجعل في كل صغير وطفل من المعرفة ما يعرف وحدانية ربه وربوبيته ؛ على ما جعل لهم من المعرفة ما فيه غذاؤهم وقوامهم من أخذ ثدي أمهاتهم في حال صغرهم وطفولتهم ؛ ولذلك يخرج قوله : «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه» (١) ؛ على ما جعل في الجبال من معرفة التسبيح لربها والتحميد ، لكن أبواه يشبهان ذلك عليه ، ويصرفانه.
والثاني : فطرهم وجبلهم ما لو تركوا وعقولهم لكانوا على ما جبلوا وفطروا ؛ إذ فطر كل منهم وجعل في خلقة كل دلالة وحدانية الله وربوبيته.
وكذلك قوله : «كل مولود يولد على الفطرة» ، أي : على الخلقة التي تدل وتشهد على وحدانية الله وربوبيته ما لو تركوا وخلي بينهم وبين عقولهم لأدركوا.
والثالث : فطرهم على ما يحتملون الامتحان.
وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ).
__________________
(١) أخرجه البخاري (١١ / ٤٩٣) كتاب : القدر ، باب : الله أعلم بما كانوا عاملين ، الحديث (٦٥٩٩) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤٨) كتاب : القدر ، باب : معنى كل مولود يولد على الفطرة ، الحديث (٢٥ / ٢٦٥٨) ، وأبو داود (٥ / ٨٦) كتاب : السنة ، باب : في ذراري المشركين ، الحديث (٤٧١٤) ، والترمذي (٣ / ٣٠٣) كتاب : القدر ، باب : كل مولود يولد على الفطرة ، الحديث (٣٢٢٣) ، ومالك (١ / ٢٤١) كتاب : الجنائز ، باب : جامع الجنائز ، الحديث (٥٢) ، وأحمد (٢ / ٢٣٣) ، والحميدي (٢٢ / ٤٧٣) رقم (١١١٣) ، وعبد الرزاق (٢٠٠٨٧) ، وأبو يعلى (١١ / ١٩٧) ، رقم (٦٣٠٦) ، وابن حبان (١٢٨ ، ١٣٠) ، وأبو نعيم في الحلية (٩ / ٣٢٨) ، من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كما تنتج الإبل جمعاء ، هل تحس فيها من جدعاء؟ قالوا : يا رسول الله أرأيت الذي يموت وهو صغير؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين».
ولفظ مسلم مصدر بلفظ : «كل إنسان تلده أمه على الفطرة ، وأبواه بعد يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، فإن كانا مسلمين فمسلم ، كل إنسان تلده أمه ، يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها».
وفى الباب عن جابر والأسود بن سريع وابن عباس وسمرة بن جندب.