إلّا سليمان إذ قال المليك له |
|
قم في البريّة فاحددها عن الفند |
أي أمنعها عن السّفه. وقال أبو عمرو الشيباني : التفنيد : التقبيح ، ومنه قول الشاعر :
يا صاحبيّ دعا لومي وتفنيدي |
|
فليس ما فات من أمري بمردود |
وقيل : هو الكذب ، ومنه قول الشاعر :
هل في افتخار الكريم من أود (١) |
|
أم هل لقول الصدّيق من فند |
وقال ابن الأعرابي (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) لو لا أن تضعّفوا رأيي. وروي مثله عن أبي عبيدة. وقال الأخفش : التفنيد اللوم وضعف الرأي. وكل هذه المعاني راجع إلى التعجيز وتضعيف الرأي ، يقال : فنّده تفنيدا : إذا أعجزه ، وأفند : إذا تكلم بالخطإ ، والفند : الخطأ في الكلام ، وممّا يدل على إطلاقه على اللوم قول الشاعر :
يا عاذليّ دعا الملام وأقصرا |
|
طال الهوى وأطلتما التّفنيدا |
أخبرهم يعقوب بأن الصبا قد حملت إليه ريح حبيبه ، وأنه لو لا ما يخشاه من التفنيد لما شكّ في ذلك :
فإن الصّبا ريح إذا ما تنفست |
|
على نفس مهموم تجلت همومها |
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني |
|
نسيم الصّبا من حيث ما يطلع الفجر |
ولقد تهبّ لي الصّبا من أرضها |
|
فيلذّ مسّ هبوبها ويطيب |
(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي قال الحاضرون عنده من أهله : إنك يا يعقوب لفي ذهابك عن طريق الصواب الذي كنت عليه قديما من إفراط حبك ليوسف لا تنساه ، ولا تفتر عنه ، ولسان حال يعقوب يقول لهم :
لا يعرف الشوق إلا من يكابده |
|
ولا الصّبابة إلا من يعانيها |
لا تعذل المشتاق في أشواقه |
|
حتى تكون حشاك في أحشائه |
وقيل : المعنى : إنك لفي جنونك القديم ، وقيل : في محبتك القديمة. قالوا له ذلك لأنه لم يكن قد بلغهم قدوم البشير (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) قال المفسرون : البشير : هو يهوذا بن يعقوب قال لإخوته : أنا جئته بالقميص ملطخا بالدم ، فأعطني اليوم قميصك لأخبره أنك حيّ ، فأفرحه كما أحزنته (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ) أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب ، أو ألقاه يعقوب على وجه نفسه (فَارْتَدَّ بَصِيراً) الارتداد : انقلاب الشيء إلى حال قد كان عليها ، والمعنى : عاد ورجع إلى حالته الأولى من صحة بصره (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) أي قال يعقوب لمن كان عنده من أهله الذين قال لهم : إنّي لأجد ريح يوسف ، ألم أقل لكم هذا القول
__________________
(١). «أود» : عوج.