سورة مريم
أخرج النحّاس وابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزلت بمكة سورة (كهيعص). وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال : نزلت سورة مريم بمكة. وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله. وأخرج أحمد وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن أمّ سلمة أن النجاشي قال لجعفر بن أبي طالب : هل معك ممّا جاء به ، يعني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، عن الله شيء؟ قال : نعم ، فقرأ عليه صدرا من (كهيعص) فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. وقد ذكر ابن إسحاق القصّة بطولها.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١))
قوله : (كهيعص) قرأ أبو جعفر هذه الحروف مقطّعة ، ووصلها الباقون ، وأمال أبو عمرو الهاء وفتح الياء ، وعكس ذلك ابن عامر وحمزة ، وأمالهما جميعا الكسائي وأبو بكر وخلف ، وقرأهما بين اللفظين أهل المدينة ، وفتحهما الباقون. وعن خارجة أن الحسن كان يضمّ كاف ، وحكي عن غيره أنه كان بضم ها. وقال أبو حاتم : لا يجوز ضمّ الكاف ولا الهاء ولا الياء. قال النحاس : قراءة أهل المدينة من أحسن ما في هذا ، والإمالة جائزة في ها وفي يا ، وقد اعترض على قراءة الحسن جماعة. وقيل في تأويلها أنه كان يشمّ الرفع فقط. وأظهر الدال من هجاء : صاد نافع وأبو جعفر وابن كثير وعاصم ويعقوب ، وهو اختيار أبي عبيد وأدغمها الباقون. وقد قيل في توجيه هذه القراءات أن التفخيم هو الأصل ، والإمالة فرع عنه ، فمن قرأ بتفخيم الهاء والياء فقد عمل بالأصل ، ومن أمالهما فقد عمل بالفرع ، ومن أمال أحدهما وفخم الآخر فقد عمل بالأمرين ، وقد تقدّم الكلام في هذه الحروف الواقعة في فواتح السور مستوفى في أوائل سورة البقرة ، ومحل هذه الفاتحة إن جعلت اسما للسورة على ما عليه الأكثر الرفع على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها ، قاله الفرّاء. واعترضه