درج الأنبياء متفاوتة ، قال الله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١). (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) أي : وإن الشأن ذلك. قال أبو عبيدة : خطىء وأخطأ بمعنى واحد. وقال الأزهري : المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره ، ومنه قولهم : المجتهد يخطئ ويصيب ، والخاطئ من تعمّد ما لا ينبغي. قالوا هذه المقالة المتضمنة للاعتراف بالخطإ والذنب استجلابا لعفوه واستجذابا لصفحه (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) التثريب : التّعيير والتوبيخ ؛ أي : لا تعيير ولا توبيخ ، ولا لوم عليكم. قال الأصمعي : ثرّبت عليه : قبّحت عليه فعله. وقال الزّجّاج : المعنى لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوّة ، ولكم عندي الصّلح والعفو ، وأصل التثريب الإفساد ، وهي لغة أهل الحجاز. وقال ابن الأنباري : معناه قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذنب. قال ثعلب : ثرب فلان على فلان إذا عدّد عليه ذنوبه ، وأصل التثريب من الثرب ، وهو الشّحم الذي هو غاشية الكرش ، ومعناه إزالة التثريب ، كما أنّ التجليد والتّقريع إزالة الجلد والقرع وانتصاب اليوم بالتثريب ؛ أي : لا أثرب عليكم أو منتصب بالعامل المقدّر في عليكم وهو مستقرّ أو ثابت أو نحوهما ، أي : لا تثريب مستقرّ أو ثابت عليكم. وقد جوّز الأخفش الوقف على (عَلَيْكُمُ) فيكون اليوم متعلّق بالفعل الذي بعده. وقد ذكر مثل هذا ابن الأنباري ، ثم دعا لهم بقوله : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) على تقدير الوقف على اليوم ، أو أخبرهم بأن الله قد غفر لهم ذلك اليوم على تقدير الوقف على عليكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يرحم عباده رحمة لا يتراحمون بها فيما بينهم ، فيجازي محسنهم ويغفر لمسيئهم. قوله : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) قيل : هذا القميص هو القميص الذي ألبسه الله إبراهيم لما ألقي في النار ، وكساه إبراهيم إسحاق ، وكساه إسحاق يعقوب. وكان يعقوب أدرج هذا القميص في صبة (٢) وعلّقه في عنق يوسف لما كان يخاف عليه من العين ، فأخبر جبريل يوسف أن يرسل به إلى يعقوب ليعود عليه بصره لأنّ فيه ريح الجنة ، وريح الجنة لا يقع على سقيم إلا شفي ولا مبتلى إلا عوفي (فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) أي يصير بصيرا ، على أن «يأت» هي التي من أخوات كان ، قال الفرّاء : يرجع بصيرا. وقال السدّي : يعود بصيرا. وقيل معناه : يأت إليّ إلى مصر وهو بصير قد ذهب عنه العمى ، ويؤيده قوله : (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) أي جميع من شمله لفظ الأهل من النساء والذراري ، قيل : كانوا نحو سبعين ، وقيل : ثلاثة وتسعين (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام. يقال : فصل فصولا ، وفصلته فصلا ، لازم ومتعد ، ويقال : فصل من البلد فصولا : إذا انفصل عنه وجاوز حيطانه (قالَ أَبُوهُمْ) أي يعقوب لمن عنده في أرض كنعان من أهله (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) قيل : إنها هاجت ريح فحملت ريح القميص إلى يعقوب مع طول المسافة ، فأخبرهم بما وجد. ثم قال : (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) لو لا أن تنسبوني إلى الفند ، وهو ذهاب العقل من الهرم ، يقال أفند الرجل : إذا خرف وتغيّر عقله. وقال أبو عبيدة : لو لا أن تسفهون ، فجعل الفند السفه ، وقال الزجاج : لو لا أن تجهلون ، فجعل الفند الجهل ، ويؤيد قول من قال إنه السفه قول النابغة :
__________________
(١). البقرة : ٢٥٣.
(٢). في تفسير القرطبي (٩ / ٢٥٨) : قصبة من فضة.