سورة إبراهيم
وهي مكية كما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس. وأخرجه ابن مردويه أيضا عن الزبير ، وحكاه القرطبي عن الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وقتادة إلا آيتين منها ، وقيل : إلا ثلاث آيات نزلت في الذين حاربوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) إلى قوله : (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ). وأخرج النحّاس في ناسخه عن ابن عباس قال : هي مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة ، وهي : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) الآيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥))
قوله : (الر) قد تقدّم الكلام في أمثال هذا ، وبيان قول من الله قال إنه متشابه ، وبيان قول من قال إنه غير متشابه ، وهو إما مبتدأ خبره كتاب ، أو خبر مبتدأ محذوف ، ويكون (كِتابٌ) خبرا لمحذوف مقدّر أو خبرا ثانيا لهذا المبتدأ أو يكون (الر) مسرودا على نمط التعديد فلا محلّ له ، و (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) صفة لكتاب ، أي : أنزلنا الكتاب إليك يا محمد ومعنى (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية ؛ جعل الكفر بمنزلة الظلمات ، والإيمان بمنزلة النور على طريق الاستعارة ، واللام في لتخرج للغرض والغاية ، والتعريف في الناس للجنس ، والمعنى : أنه صلىاللهعليهوسلم يخرج الناس بالكتاب المشتمل على ما شرعه الله لهم من الشرائع مما كانوا فيه من الظلمات إلى ما صاروا إليه من النور ؛ وقيل : إن الظلمة مستعارة للبدعة ، والنور مستعار للسنة ؛ وقيل : من الشك إلى اليقين ، ولا مانع من إرادة جميع هذه الأمور ، والباء في (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) متعلقة بتخرج ، وأسند الفعل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه الداعي والهادي والمنذر. قال الزّجّاج : بما أذن لك من تعليمهم ودعائهم إلى الإيمان (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) هو بدل من إلى النور بتكرير العامل كما يقع مثله كثيرا ، أي : لتخرج الناس من الظلمات إلى صراط العزيز الحميد ، وهو طريقة الله الواضحة التي شرعها لعباده ، وأمرهم بالمصير إليها والدخول فيها ؛ ويجوز أن