به الأعين ، كما قال سبحانه : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) (١). (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) قرأ أبو جعفر وابن محيصن «لا يحزنهم» بضم الياء وكسر الزاي ، وقرأ الباقون (لا يَحْزُنُهُمُ) بفتح الياء وضم الزاي. قال اليزيدي : حزنه لغة قريش ، وأحزنه لغة تميم ، والفزع الأكبر : أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي : تستقبلهم على أبواب الجنة يهنئونهم ، ويقولون لهم : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي : توعدون به في الدنيا وتبشّرون بما فيه ، هكذا قال جماعة من المفسرين : إن المراد بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) إلى هنا هم كافة الموصوفين بالإيمان والعمل الصالح ، لا المسيح وعزير والملائكة. وقال أكثر المفسرين : إنه لما نزل (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) الآية أتى ابن الزّبعرى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد ألست تزعم أن عزيرا رجل صالح ، وأن عيسى رجل صالح ، وأن مريم امرأة صالحة؟ قال : بلى ، فقال : فإن الملائكة وعيسى وعزيرا ومريم يعبدون من دون الله ، فهؤلاء في النار ، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) وسيأتي بيان من أخرج هذا قريبا إن شاء الله. (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) قرأ أبو جعفر ابن القعقاع وشيبة والأعرج والزهري «تطوى» بمثناة فوقية مضمومة ورفع السماء ، وقرأ مجاهد «يطوي» بالتحتية المفتوحة مبنيا للفاعل على معنى يطوي الله السماء ، وقرأ الباقون (نَطْوِي) بنون العظمة. وانتصاب يوم بقوله : (نُعِيدُهُ) أي : نعيده يوم نطوي السماء ، وقيل : هو بدل من الضمير المحذوف في (تُوعَدُونَ) ، والتقدير : الذي كنتم توعدونه يوم نطوي ؛ وقيل بقوله (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ) ؛ وقيل : بقوله (تَتَلَقَّاهُمُ) ؛ وقيل : متعلّق بمحذوف ، وهو اذكر ، وهذا أظهر وأوضح ، والطيّ : ضد النشر ، وقيل : المحو ، والمراد بالسماء الجنس ، والسجل : الصحيفة ، أي : طيا كطيّ الطومار (٢) ؛ وقيل : السجل : الصك ، وهو مشتق من المساجلة وهي المكاتبة ، وأصلها من السجل ، وهو الدلو ، يقال : ساجلت الرجل إذا نزعت دلوا ونزع دلوا ، ثم استعيرت للمكاتبة والمراجعة في الكلام ، ومنه قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب :
من يساجلني يساجل ماجدا |
|
يملأ الدّلو إلى عقد الكرب (٣) |
وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير : «السّجلّ» بضم السين والجيم وتشديد اللام ، وقرأ الأعمش وطلحة بفتح السين وإسكان الجيم وتخفيف اللام ، والطيّ في هذه الآية يحتمل معنيين : أحدهما الطيّ الذي هو ضدّ النشر ، ومنه قوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ، والثاني الإخفاء والتعمية والمحو ؛ لأن الله سبحانه يمحو ويطمس رسومها ويكدّر نجومها. وقيل : السجل اسم ملك ، وهو الذي يطوي كتب بني آدم ؛ وقيل : هو اسم كاتب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والأول أولى. قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ويحيى وخلف «للكتب» جمعا ، وقرأ الباقون «للكتاب» ، وهو متعلّق بمحذوف حال من السجل ، أي : كطيّ السجل كائنا للكتب ، أو صفة له ، أي : الكائن للكتب ، فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها ، فسجلها
__________________
(١). فصلت : ٣١.
(٢). الطومار : الصحيفة.
(٣). «الكرب» : حبل يشدّ على عراقي الدلو ، ثم يثنى ثم يثلث ؛ ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير.