إلا وثاقه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار ، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين ، قال : ما كنت أياما وليالي قط أطيب عيشا إذ كنت فيها ، وددت أنّ عيشي وحياتي كلّها مثل عيشي إذ كنت فيها.
(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧))
قد تقدّم أنّ لوطا هو ابن أخي إبراهيم ، فحكى الله سبحانه هاهنا أنه نجّى إبراهيم ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين. قال المفسرون : وهي أرض الشام ، وكانا بالعراق ، وسمّاها سبحانه مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها ، ولأنها معادن الأنبياء ؛ وأصل البركة ثبوت الخير ، ومنه برك البعير إذا لزم مكانه فلم يبرح ، وقيل : الأرض المباركة مكة ؛ وقيل : بيت المقدس ؛ لأن منها بعث الله أكثر الأنبياء ، وهي أيضا كثيرة الخصب ، وقد تقدّم تفسير العالمين. ثم قال سبحانه ممتنا على إبراهيم (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) النافلة : الزيادة ، وكان إبراهيم قد سأل الله سبحانه أن يهب له ولدا ، فوهب له إسحاق ، ثم وهب لإسحاق يعقوب من غير دعاء ، فكان ذلك نافلة ، أي : زيادة ؛ وقيل : المراد بالنافلة هنا العطية ، قاله الزجاج ؛ وقيل : النافلة هنا ولد الولد ؛ لأنه زيادة على الولد ، وانتصاب نافلة على الحال. قال الفراء : النافلة : يعقوب خاصة ؛ لأنه ولد الولد (وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) أي : وكلّ واحد من هؤلاء الأربعة : إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ، لا بعضهم دون بعض جعلناه صالحا عاملا بطاعة الله تاركا لمعاصيه. وقيل : المراد بالصلاح هنا النبوّة (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) أي : رؤساء يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات ، ومعنى بأمرنا : بأمرنا لهم بذلك ، أي : بما أنزلنا عليهم من الوحي (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) أي : أن يفعلوا الطاعات ، وقيل : المراد بالخيرات شرائع النبوّات (وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) أي : كانوا لنا خاصة دون غيرنا مطيعين ، فاعلين لما نأمرهم به ، تاركين ما ننهاهم عنه (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) انتصاب لوطا بفعل مضمر دلّ عليه قوله «آتيناه» ، أي : وآتينا لوطا آتيناه ؛ وقيل : بنفس الفعل المذكور بعده ؛ وقيل : بمحذوف هو اذكر ، والحكم : النبوّة ، والعلم : المعرفة بأمر الدين ؛ وقيل : الحكم : هو فصل الخصومات بالحق ؛ وقيل : هو الفهم (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) القرية هي سدوم كما تقدّم ، ومعنى «تعمل الخبائث» : يعمل أهلها الخبائث ، فوصفت القرية بوصف أهلها ، والخبائث التي كانوا يعملونها هي