بالانتقام من هذا الذي فعل بها ما فعل ؛ إن كنتم فاعلين للنصر وقيل : هذا القائل هو نمروذ ؛ وقيل : رجل من الأكراد (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) في الكلام حذف تقديره : فأضرموا النار ، وذهبوا بإبراهيم إليها ، فعند ذلك قلنا : يا نار كوني ذات برد وسلام ؛ وقيل : إن انتصاب سلاما على أنه مصدر لفعل محذوف ، أي : وسلّمنا سلاما عليه (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) أي : مكرا (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) أي : أخسر من كلّ خاسر ؛ ورددنا مكرهم عليهم ؛ فجعلنا لهم عاقبة السّوء ؛ كما جعلنا لإبراهيم عاقبة الخير.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مرّوا عليه ، فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا؟ قال : إني سقيم ، وقد كان بالأمس قال : (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) فسمعه ناس منهم ، فلما خرجوا انطلق إلى أهله ، فأخذ طعاما ، ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم ، فقال : ألا تأكلون؟ فكسرها إلا كبيرهم ، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم ، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا ، فإذا هم بآلهتهم قد كسرت ، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر الأصنام ، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول : (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) فجادلهم عند ذلك إبراهيم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (جُذاذاً) قال : حطاما. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : فتاتا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) قال : عظيم آلهتهم. وأخرج أبو داود والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهنّ في الله : قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) ولم يكن سقيما ، وقوله لسارة : أختي (١) ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا)» وهذا الحديث هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا. وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع ، وألقي في النار ، جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله؟ فكان أمر الله أسرع ، قال الله : (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت. وأخرج أحمد وابن ماجة وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار ، غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتله». وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن المنذر عن ابن عمر ، قال : أوّل كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (٢). وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (يا نارُ كُونِي) قال : كان جبريل هو الذي ناداها. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة ، وأحمد في الزهد ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عليّ نحوه. وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار ، فقال : يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال : أمّا إليك فلا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم
__________________
(١). يراجع فتح الباري حديث رقم (٦ / ٣٣٥٨)
(٢). آل عمران : ١٧٣.