ثم لما سمع أولئك مقالة الخليل (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) أي : أجادّ أنت فيما تقول أم أنت لاعب مازح؟ قال مضربا عمّا بنوا عليه مقالتهم من التقليد : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) أي : خلقهن وأبدعهنّ (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) الذي ذكرته لكم من كون ربكم هو ربّ السموات والأرض دون ما عداه (مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي : العالمين به المبرهنين عليه ، فإن الشاهد على الشيء هو من كان عالما به ، مبرهنا عليه ، مبينا له.
وقد أخرج أحمد والترمذي ، وابن جرير في تهذيبه ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن عائشة : «أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني ، وأضربهم وأشتمهم ، فكيف أنا منهم؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم ، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك ، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك ، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتصّ لهم منك الفضل ، فجعل الرجل يبكي ويهتف ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أما تقرأ كتاب الله (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) فقال له الرجل : يا رسول الله ؛ ما أجد لي ولهم خيرا من مفارقتهم ، أشهدك أنهم أحرار» ، رواه أحمد هكذا : حدّثنا أبو نوح قراد ، أخبرنا ليث بن سعد ، عن مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة فذكره ، وفي معناه أحاديث. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) قال : التوراة. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن زيد قال : (الْفُرْقانَ) : الحقّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) أي : القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) قال : هديناه صغيرا ، وفي قوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ) قال : الأصنام.
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠))