الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) الموازين : جمع ميزان ، وهو يدلّ على أن هناك موازين ، ويمكن أن يراد ميزان واحد ، عبّر عنه بلفظ الجمع ، وقد ورد في السنة في صفة الميزان ما فيه كفاية ، وقد مضى في الأعراف ، وفي الكهف في هذا ما يغني عن الإعادة ، والقسط صفة للموازين. قال الزجّاج : قسط مصدر يوصف به ، تقول : ميزان قسط وموازين قسط. والمعنى : ذوات قسط ، والقسط : العدل. وقرئ «القصط» بالصاد والطاء. ومعنى (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) لأهل يوم القيامة ، وقيل : اللام بمعنى في ، أي : في يوم القيامة (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) أي : لا ينقص من إحسان محسن ، ولا يزاد في إساءة مسيء (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) قرأ نافع وشيبة وأبو جعفر برفع مثقال على أن كان تامة ، أي : إن وقع أو وجد مثقال حبة. وقرأ الباقون بنصب المثقال ، على تقدير : وإن كان العمل المدلول عليه بوضع الموازين مثقال حبة ، كذا قال الزجاج. وقال أبو عليّ الفارسي : وإن كان الظلامة مثقال حبة. قال الواحدي : وهذا أحسن لتقدّم قوله : «فلا تظلم نفس شيئا» ، ومثقال الشيء : ميزانه ، أي : وإن كان في غاية الخفّة والحقارة ، فإنّ حبة الخردل مثل في الصغر (أَتَيْنا بِها) قرأ الجمهور بالقصر ، أي : أحضرناها وجئنا بها للمجازاة عليها ، و «بها» أي : بحبة الخردل. وقرأ مجاهد وعكرمة «آتينا» بالمدّ على معنى جازينا بها ، يقال : آتى يؤاتي مؤاتاة ؛ جازى (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) أي : كفى بنا محصين ، والحسب في الأصل معناه العدّ ، وقيل : كفى بنا عالمين ؛ لأن من حسب شيئا علمه وحفظه ، وقيل : كفى بنا مجازين على ما قدّموه من خير وشرّ. ثم شرع سبحانه في تفصيل ما أجمله سابقا بقوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) (١) فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) المراد بالفرقان هنا التوراة ؛ لأن فيها الفرق بين الحلال والحرام ، وقيل : الفرقان هنا هو النصر على الأعداء ، كما في قوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) (٢). قال الثعلبي : وهذا القول أشبه بظاهر الآية ، ومعنى «وضياء» أنهم استضاءوا بها في ظلمات الجهل والغواية ، ومعنى «وذكرا» الموعظة ، أي : أنهم يتّعظون بما فيها ، وخصّ المتقين لأنهم الذين ينتفعون بذلك ، ووصفهم بقوله : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) لأن هذه الخشية تلازم التقوى. ويجوز أن يكون الموصول بدلا من المتقين ، أو بيانا له ، ومحل (بِالْغَيْبِ) النصب على الحال ، أي : يخشون عذابه وهو غائب عنهم ، أو هم غائبون عنه ؛ لأنهم في الدنيا ، والعذاب في الآخرة. وقرأ ابن عباس وعكرمة (ضِياءً) بغير واو. قال الفراء : حذف الواو والمجيء بها واحد ، واعترضه الزجاج بأن الواو تجيء لمعنى ، فلا تزاد. (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) أي : وهم من القيامة خائفون وجلون ، والإشارة بقوله : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) إلى القرآن. قال الزجاج : المعنى : وهذا القرآن ذكر لمن تذكر به وموعظة لمن اتّعظ به ، والمبارك : كثير البركة والخير. وقوله : (أَنْزَلْناهُ) صفة ثانية للذكر ، أو خبر بعد خبر ، والاستفهام في قوله : (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) للإنكار لما وقع منهم من الإنكار ، أي : كيف تنكرون كونه منزلا من عند الله مع اعترافكم بأن التوراة منزلة من عنده؟ (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) أي : الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل ، ومعنى (مِنْ قَبْلُ) أنه أعطى
__________________
(١). الأنبياء : ٧.
(٢). الأنفال : ٤١.