الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦))
لما أبطل كون الأصنام نافعة أضرب عن ذلك ؛ منتقلا إلى بيان أنّ ما هم فيه من الخير والتمتع بالحياة العاجلة هو من الله ، لا من مانع يمنعهم من الهلاك ، ولا من ناصر ينصرهم على أسباب التمتع ، فقال : (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) يعني أهل مكة ، متّعهم الله بما أنعم عليهم (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) فاغترّوا بذلك ، وظنّوا أنهم لا يزالون كذلك ، فردّ سبحانه عليهم قائلا (أَفَلا يَرَوْنَ) أي : أفلا ينظرون فيرون (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أي : أرض الكفر ، ننقصها بالظهور عليها من أطرافها ، فنفتحها بلدا بعد بلد ، وأرضا بعد أرض ، وقيل : ننقصها بالقتل والسبي ، وقد مضى في الرعد الكلام على هذا مستوفى ، والاستفهام في قوله : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) للإنكار ، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره ، أي : كيف يكونون غالبين بعد نقصنا لأرضهم من أطرافها؟ وفي هذا إشارة إلى أنّ الغالبين هم المسلمون (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) أي : أخوّفكم وأحذركم بالقرآن ، وذلك شأني وما أمرني الله به ، وقوله : (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ) إما من تتمة الكلام الذي أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يقوله لهم ، أو من جهة الله تعالى. والمعنى : أن من أصمّ الله سمعه ، وختم على قلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، لا يسمع الدعاء. قرأ أبو عبد الرحمن السلمي ومحمد بن السميقع «ولا يسمع» بضم الياء وفتح الميم على ما لم يسمّ فاعله. وقرأ ابن عامر وأبو حيوة ويحيى ابن الحارث بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الميم ، أي : إنك يا محمد لا تسمع هؤلاء. قال أبو علي الفارسي : ولو كان كما قال ابن عامر لكان : إذا ما تنذرهم ، فيحسن نظم الكلام ، فأما (إِذا ما يُنْذَرُونَ) فحسن أن يتبع قراءة العامة ، وقرأ الباقون بفتح الياء وفتح الميم ورفع الصم على أنه الفاعل (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) المراد بالنفحة القليل ، مأخوذ من نفح المسك قاله ابن كيسان ، ومنه قول الشاعر (١) :
وعمرة من سروات النّساء |
|
تنفّح بالمسك أردانها |
وقال المبرد : النفحة : الدفعة من الشيء التي دون معظمه ، يقال : نفحه نفحة بالسيف ؛ إذا ضربه ضربة خفيفة ، وقيل : هي النصيب ، وقيل : هي الطرف. والمعنى متقارب ، أي : ولئن مسّهم أقلّ شيء من العذاب (لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي : ليدعون على أنفسهم بالويل والهلاك ، ويعترفون عليها بالظلم (وَنَضَعُ
__________________
(١). هو قيس بن الخطيم.