بردّ البضاعة والإكرام عند القدوم إليه ، وتوفير ما أردناه من الميرة؟ ويكون الاستفهام للإنكار ، وجملة (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) مقرّرة لما دلّ عليه الاستفهام من الإنكار لطلب شيء مع كونها قد ردّت إليهم ؛ وقيل : إن «ما» في (ما نَبْغِي) نافية ، أي : ما نبغي في القول وما نتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك إلينا وإكرامه لنا ، ثم برهنوا على ما لقوه من التزيد في وصف الملك بقولهم : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) فإنّ من تفضل عليهم بردّ ذلك حقيق بالثناء عليه منهم ، مستحق لما وصفوه به ، ومعنى (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) نجلب إليهم الميرة وهي الطعام ، والمائر : الذي يأتي بالطعام. وقرأ السلمي بضم النون ، وهو معطوف على مقدر يدلّ عليه السياق ، والتقدير : هذه بضاعتنا ردّت إلينا فنحن نستعين بها على الرجوع ونمير أهلنا (وَنَحْفَظُ أَخانا) بنيامين ممّا تخافه عليه (وَنَزْدادُ) بسبب إرساله معنا (كَيْلَ بَعِيرٍ) أي حمل بعير زائد على ما جئنا به هذه المرة ؛ لأنه كان يكال لكل رجل وقر بعير ، ومعنى (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أن زيادة كيل بعير لأخينا يسهل على الملك ، ولا يمتنع علينا من زيادته له لكونه يسيرا لا يتعاظمه ولا يضايقنا فيه ؛ وقيل : إن المعنى : ذلك المكيل لأجلنا قليل نريد أن ينضاف إليه حمل بعير لأخينا. واختار الزّجّاج الأوّل. وقيل : إن هذا من كلام يعقوب جوابا على ما قاله أولاده : (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) يعني إن حمل بعير شيء يسير لا يخاطر لأجله بالولد ، وهو ضعيف ؛ لأن جواب يعقوب هو (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) أي حتى تعطوني ما أثق به وأركن إليه من جهة الله سبحانه ، وهو الحلف به ، واللام في (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) جواب القسم ، لأن معنى (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) : حتى تحلفوا بالله لتأتني به ، أي : لتردّن بنيامين إليّ ، والاستثناء بقوله : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) هو من أعمّ العام ، لأنّ (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) وإن كان كلاما مثبتا فهو في معنى النفي ، فكأنه قال : لا تمنعون من إتياني به في حال من الأحوال لعلة من العلل إلا لعلة الإحاطة بكم ، والإحاطة مأخوذة من إحاطة العدوّ ، ومن أحاط به العدوّ فقد غلب أو هلك ، فأخذ يعقوب عليهم العهد بأن يأتوه ببنيامين إلا أن يغلبوا عليه أو يهلكوا دونه ، فيكون ذلك عذرا لكم عندي (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) أي أعطوه ما طلبه منهم من اليمين (قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) أي : قال يعقوب : الله على ما قلناه من طلبي الموثق منكم وإعطائكم لي ما طلبته منكم مطلع رقيب لا يخفى عليه منه خافية ، فهو المعاقب لمن خاس في عهده وفجر في الحلف به ، أو موكول إليه القيام بما شهد عليه منا.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : إنّ إخوة يوسف لما دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ، جاء بصواع الملك الذي كان يشرب فيه ، فوضعه على يده فجعل ينقره ويطنّ ، وينقره ويطنّ ، فقال : إن هذا الجام ليخبرني عنكم خبرا ، هل كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف؟ وكان أبوه يحبه دونكم ، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في الجب وأخبرتم أباكم أن الذئب أكله ، وجئتم على قميصه بدم كذب؟ قال : فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ويعجبون. وأخرج أبو الشيخ عن وهيب قال : لما جعل يوسف ينقر الصواع ويخبرهم قام إليه بعض إخوته فقال : أنشدك بالله أن لا تكشف لنا عورة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) قال : يعني بنيامين ، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه