والكوفيين وابن عامر ، وقد استوفى ذكر ذلك ابن الأنباري والنحّاس ، فقيل : إنها لغة بني الحارث بن كعب ، وخثعم ، وكنانة يجعلون رفع المثنى ونصبه وجره بالألف ، ومنه قول الشاعر (١) :
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى |
|
مساغا لناباه الشّجاع لصمّما |
وقول الآخر :
تزوّد منّا بين أذناه ضربة (٢)
وقول الآخر (٣) :
إنّ أباها وأبا أباها |
|
قد بلغا في المجد غايتاها |
وممّا يؤيّد هذا تصريح شيبويه والأخفش وأبي زيد والكسائي والفراء : إنّ هذه القراءة على لغة بني الحارث ابن كعب ، وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنها لغة بني كنانة ، وحكى غيره أنها لغة خثعم ، وقيل : إن «إنّ» بمعنى نعم هاهنا كما حكاه الكسائي عن عاصم ، وكذا حكاه سيبويه. قال النحاس : رأيت الزجاج والأخفش يذهبان إليه ، فيكون التقدير : نعم هذان لساحران ، ومنه قول الشاعر :
ليت شعري هل للمحبّ شفاء |
|
من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء |
أي : نعم اللقاء. قال الزجّاج : والمعنى في الآية : إن هذان لهما ساحران ، ثم حذف المبتدأ وهو هما. وأنكره أبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جني ، وقيل : إن الألف في هذا مشبهة بالألف في يفعلان ؛ فلم تغير ، وقيل : إن الهاء مقدّرة ، أي : إنه هذان لساحران ، حكاه الزجّاج عن قدماء النحويين ، وكذا حكاه ابن الأنباري. وقال ابن كيسان : إنه لما كان يقال هذا بالألف في الرفع والنصب والجرّ على حال واحدة ، وكانت التثنية لا تغير الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد ، فثبت الألف في الرفع والنصب والجر ، فهذه أقوال تتضمّن توجيه هذه القراءة توجيها تصح به وتخرج به عن الخطأ ، وبذلك يندفع ما روي عن عثمان وعائشة أنه غلط من الكاتب للمصحف. (يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) وهي أرض مصر (بِسِحْرِهِما) الذي أظهراه (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) قال الكسائي : بطريقتكم : بسنّتكم ، والمثلى نعت ، كقولك : امرأة كبرى ، تقول العرب : فلان على الطريقة المثلى ؛ يعنون على الهدى المستقيم. قال الفراء : العرب تقول : هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم لأشرافهم ، والمثلى تأنيث الأمثل ، وهو الأفضل ، يقال : فلان أمثل قومه ، أي : أفضلهم ، وهم الأماثل. والمعنى : أنهما إن يغلبا بسحرهما مال إليهما السادة والأشراف منكم ، أو يذهبا بمذهبكم الذي هو أمثل المذاهب (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) الإجماع : الإحكام والعزم على الشيء ، قاله الفراء.
__________________
(١). رجل من بني أسد ، قال الفراء : ما رأيت أفصح منه. وفي اللسان : هو المتلمس.
(٢). وعجزه : دعته إلى هابي التّراب عقيم. والبيت لهوبر الحارثي. والهابي من التراب : ما ارتفع ودقّ.
(٣). هو أبو النجم ، وقال بعضهم : هو رؤبة.