تقول : أجمعت على الخروج ، مثل أزمعت. وقال الزجّاج : معناه ليكن عزمكم كلكم كالكيد مجمعا عليه ، وقد اتفق القراء على قطع الهمزة في أجمعوا إلا أبا عمرو ، فإنه قرأ بوصلها وفتح الميم من الجمع. قال النحّاس : وفيما حكي لي عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال : يجب على أبي عمرو أن يقرأ بخلاف هذه القراءة ، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) أي : مصطفين مجتمعين ؛ ليكون أنظم لأمورهم وأشد لهيبتهم ، وهذا قول جمهور المفسرين. وقال أبو عبيدة : الصف : موضع المجمع ، ويسمّى المصلّى الصف. قال الزّجّاج : وعلى هذا معناه : ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم ، يقال : أتيت الصف بمعنى أتيت المصلّى ، فعلى التفسير الأول يكون انتصاب صفا على الحال ، وعلى تفسير أبي عبيدة يكون انتصابه على المفعولية. قال الزّجّاج : يجوز أن يكون المعنى ثم ائتوا والناس مصطفون ، فيكون على هذا مصدرا في موضع الحال ، ولذلك لم يجمع. وقرئ بكسر الهمزة بعدها ياء ، ومن ترك الهمزة أبدل منها ألفا. (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) أي : من غلب ، يقال : استعلى عليه إذا غلبه ، وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض ، وقيل : من قول فرعون لهم. وجملة (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) مستأنفة جوابا لسؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا فعلوا بعد ما قالوا فيما بينهم ما قالوا؟ فقيل : قالوا يا موسى إما أن تلقي ، و «أن» مع ما في حيزها في محل نصب بفعل مضمر ، أي : اختر إلقاءك أوّلا أو إلقاءنا ، ويجوز أن تكون في محل رفع على أنها وما بعدها خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا ، ومفعول تلقي محذوف ، والتقدير : إما أن تلقي ما تلقيه أوّلا (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ) نحن (أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) ما يلقيه ، أو أوّل من يفعل الإلقاء ، والمراد : إلقاء العصيّ على الأرض ، وكانت السحرة معهم عصيّ ، وكان موسى قد ألقى عصاه يوم دخل على فرعون ، فلما أراد السحرة معارضته قالوا له هذا القول ، ف (قالَ) لهم موسى : (بَلْ أَلْقُوا) أمرهم بالإلقاء أوّلا لتكون معجزته أظهر إذا ألقوا هم ما معهم ، ثم يلقي هو عصاه فتبتلع ذلك ، وإظهارا لعدم المبالاة بسحرهم (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) في الكلام حذف ، والتقدير : ألقوا فإذا حبالهم ، والفاء فصيحة ، وإذا للمفاجأة أو ظرفية. والمعنى : فألقوا ، ففاجأ موسى وقت أن (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) سعي حبالهم وعصيهم ، وقرأ الحسن (عِصِيُّهُمْ) بضم العين ، وهي لغة بني تميم ، وقرأ الباقون بكسرها اتباعا لكسرة الصاد ، وقرأ ابن عباس وابن ذكوان وروح عن يعقوب تخيّل بالمثناة ؛ لأن العصيّ والحبال مؤنثة ، وذلك أنهم لطخوها بالزئبق ، فلما أصابها حرّ الشمس ارتعشت واهتزّت ، وقرئ نخيّل بالنون على أن الله سبحانه هو المخيّل لذلك ، وقرئ يخيّل بالياء التحتية مبنيا للفاعل على أن المخيّل هو الكيد ، وقيل : المخيّل هو «أنها تسعى» ، ف «أنّ» في موضع رفع ، أي : يخيّل إليه سعيها. ذكر معناه الزجاج. وقال الفراء : إنها في موضع نصب ، أي : بأنها ، ثم حذف الباء. قال الزجاج : ومن قرأ بالتاء ، يعني الفوقية ، جعل أنّ في موضع نصب ، أي : تخيل إليه ذات سعي. قال : ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلا من الضمير في تخيل ، وهو عائد على الحبال والعصيّ ، والبدل فيه بدل اشتمال ، يقال : خيل إليه إذا شبه له وأدخل عليه البهمة والشبهة. (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) أي : أحسّ ، وقيل : وجد ، وقيل : أضمر ، وقيل : خاف ، وذلك لما يعرض من الطباع