يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠))
قوله : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) أي : انصرف من ذلك المقام ليهيئ ما يحتاج إليه ممّا تواعدا عليه ، وقيل : معنى تولى أعرض عن الحق ، والأوّل أولى (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) أي : جمع ما يكيد به من سحره وحيلته ، والمراد أنه جمع السحرة ، قيل : كانوا اثنين وسبعين ، وقيل أربعمائة ، وقيل : اثنا عشر ألفا ، وقيل : أربعة عشر ألفا ، وقال ابن المنذر : كانوا ثمانين ألفا (ثُمَّ أَتى) أي : أتى الموعد الذي تواعدا إليه مع جمعه الذي جمعه ، وجملة (قالَ لَهُمْ مُوسى) مستأنفة جواب سؤال مقدّر (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) دعا عليهم بالويل ، ونهاهم عن افتراء الكذب. قال الزّجّاج : هو منصوب بمحذوف ، والتقدير : ألزمهم الله ويلا. قال : ويجوز أن يكون نداء كقوله : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (١). (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) السحت : الاستئصال ، يقال : سحت وأسحت بمعنى ، وأصله استقصاء الشعر. وقرأ الكوفيون إلا شعبة (فَيُسْحِتَكُمْ) بضم حرف المضارعة من أسحت ، وهي لغة بني تميم ، وقرأ الباقون بفتحه من سحت ، وهي لغة الحجاز ، وانتصابه على أنه جواب للنهي (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) أي : خسر وهلك ؛ والمعنى : قد خسر من افترى على الله أيّ كذب كان (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي : السحرة لما سمعوا كلام موسى تناظروا وتشاوروا وتجاذبوا أطراف الكلام في ذلك (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أي : من موسى ، وكان نجواهم هي قولهم (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وقيل : إنهم تناجوا فيما بينهم فقالوا : إن كان ما جاء به موسى سحرا فسنغلبه ، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر ؛ وقيل : الذي أسروه أنه إذا غلبهم اتبعوه ، قاله الفرّاء والزّجّاج ؛ وقيل : الذي أسروه أنهم لما سمعوا قول موسى : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ) ، قالوا : «ما هذا بقول ساحر». والنجوى : المناجاة ، يكون اسما ومصدرا.
قرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران بتشديد الحرف الداخل على الجملة ، وبالياء في اسم الإشارة على إعمال إن عملها المعروف ، وهو نصب الاسم ورفع الخبر ؛ ورويت هذه القراءة عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة ، وبها قرأ الحسن وسعيد بن جبير والنّخعي وغيرهم من التابعين ، وبها قرأ عاصم الجحدري وعيسى ابن عمر كما حكاه النّحّاس ، وهذه القراءة موافقة للإعراب الظاهر ، مخالفة لرسم المصحف فإنه مكتوب بالألف. وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه (إِنْ هذانِ) بتخفيف إن على أنها نافية ، وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف وللإعراب ، وقرأ ابن كثير مثل قراءتهم إلا أنه يشدّد النون من «هذانّ». وقرأ المدنيون والكوفيون وابن عامر (إِنْ هذانِ) بتشديد إن وبالألف ، فوافقوا الرسم وخالفوا الإعراب الظاهر. وقد تكلّم جماعة من أهل العلم في توجيه قراءة المدنيين
__________________
(١). يس : ٥٢.