لها ترغيبا فيما يرومه ، وتنشيطا لمن يخاطبه من الملوك بإلقاء مقاليد الأمور إليه وجعلها منوطة به ، ولكنه يعارض هذا الجواز ما ورد عن نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم من النهي عن طلب الولاية والمنع من تولية من طلبها أو حرص عليها. والخزائن : جمع خزانة ، وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء والحفيظ : الذي يحفظ الشيء ، أي : (إِنِّي حَفِيظٌ) لما جعلته إليّ من حفظ الأموال لا أخرجها في غير مخارجها ، ولا أصرفها في غير مصارفها (عَلِيمٌ) بوجود جمعها وتفريقها ومدخلها ومخرجها (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) أي : ومثل ذلك التمكين العجيب مكّنّا ليوسف في الأرض ، أي : جعلنا له مكانا ، وهو عبارة عن كمال قدرته ونفوذ أمره ونهيه حتى صار الملك يصدر عن رأيه ، وصار الناس يعملون على أمره ونهيه (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) أي : ينزل منها حيث أراد ويتخذه مباءة ، وهو عبارة عن كمال قدرته كما تقدّم ، وكأنه يتصرف في الأرض التي أمرها إلى سلطان مصر كما يتصرف الرجل في منزله. وقرأ ابن كثير بالنون. وقد استدل بهذه الآية على أنه يجوز تولّي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق. وقد قدّمنا الكلام على هذا مستوفى في قوله سبحانه : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١). (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) من العباد فنرحمه في الدنيا بالإحسان إليه والإنعام عليه ، وفي الآخرة بإدخاله الجنة وإنجائه من النار (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) في أعمالهم الحسنة التي هي مطلوب الله منهم ، أي : لا نضيع ثوابهم فيها ، ومجازاتهم عليها (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) أي أجرهم في الآخرة ، وأضيف الأجر إلى الآخرة للملابسة ، وأجرهم هو الجزاء الذي يجازيهم الله به فيها ، وهو الجنة التي لا ينفد نعيمها ولا تنقضي مدّتها (خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالله (وَكانُوا يَتَّقُونَ) الوقوع فيما حرّمه عليهم ، والمراد بهم المحسنون المتقدّم ذكرهم ، وفيه تنبيه على أن الإحسان المعتدّ به هو الإيمان والتقوى.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (ما بالُ النِّسْوَةِ) قال : أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والبيهقي في الشعب ، عنه قال : لما قالت امرأة العزيز : أنا راودته ، قال يوسف : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) فغمزه جبريل فقال : ولا حين هممت بها؟ فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا : (حَصْحَصَ الْحَقُ) قال : تبين. وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد والسدّي مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن حكيم بن حزام في قوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) فقال له جبريل : ولا حين حللت السراويل؟ فقال عند ذلك (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي). وأخرج ابن عبد الحكم في «فتوح مصر» من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) قال : فأتاه الرسول فقال : ألق عنك ثياب السجن ، والبس ثيابا جددا ، وقم إلى الملك ، فدعا له أهل السجن وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فلما أتاه رأى غلاما حدثا ، فقال : أيعلم هذا رؤياي ولا يعلمها السّحرة والكهنة؟ وأقعده قدّامه وقال : لا تخف ، وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير ،
__________________
(١). هود : ١١٣.