امرأة العزيز ؛ والمعنى : ذلك القول الذي قلته في تنزيهه ، والإقرار على نفسي بالمراودة ليعلم يوسف أني لم أخنه فأنسب إليه ما لم يكن منه وهو غائب عني ، أو وأنا غائبة عنه (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) أي لا يثبته ويسدّده ، أو لا يهديهم في كيدهم حتى يوقعوه على وجه يكون له تأثير يثبت به ويدوم ، وإذا كان من قول يوسف ففيه تعريض بامرأة العزيز حيث وقع منها الكيد له والخيانة لزوجها ، وتعريض بالعزيز حيث ساعدها على حبسه بعد أن علم براءته ونزاهته (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) إن كان من كلام يوسف فهو من باب الهضم للنفس ، وعدم التزكية بها مع أنه قد علم هو وغيره من الناس أنه بريء ، وظهر ذلك ظهور الشمس ، وأقرّت به المرأة التي ادّعت عليه الباطل ، ونزهته النسوة اللاتي قطعن أيديهنّ ، وإن كان من كلام امرأة العزيز فهو واقع على الحقيقة ؛ لأنها قد أقرّت بالذنب ، واعترفت بالمراودة وبالافتراء على يوسف. وقد قيل : إن هذا من قول العزيز ، وهو بعيد جدّا ؛ ومعناه : وما أبرئ نفسي من سوء الظن بيوسف ، والمساعدة على حبسه بعد أن علمت ببراءته (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) أي إن هذا الجنس من الأنفس البشرية شأنه الأمر بالسوء لميله إلى الشهوات ، وتأثيرها بالطبع ، وصعوبة قهرها ، وكفها عن ذلك (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) أي إلا من رحم من النفوس فعصمها عن أن تكون أمارة بالسوء ، أو إلا وقت رحمة ربي وعصمته لها ، وقيل : الاستثناء منقطع ؛ والمعنى : لكن رحمة ربي هي التي تكفّها عن أن تكون أمارة بالسوء ، وجملة (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) تعليل لما قبلها ، أي : إن من شأنه كثرة المغفرة لعباده والرحمة لهم. قوله : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) الملك هو الريان بن الوليد لا العزيز كما تقدّم ؛ ومعنى (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) : أجعله خالصا لي دون غيري ، وقد كان قبل ذلك خالصا للعزيز ، والاستخلاص : طلب خلوص الشيء من شوائب الشركة ، قال ذلك لما كان يوسف نفيسا ، وعادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النفيسة خالصة لهم دون غيرهم (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) في الكلام حذف ، وتقديره فأتوه به فلما كلمه ، أي : فلما كلم الملك يوسف ، ويحتمل أن يكون المعنى : فلما كلم يوسف الملك. قيل : والأوّل أولى ؛ لأن مجالس الملوك لا يتكلم فيها ابتداء إلا هم دون من يدخل عليهم ؛ وقيل : الثاني أولى ؛ لقول الملك (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) فإن هذا يفيد أنه لما تكلم يوسف في مقام الملك جاء بما حببه إلى الملك ، وقرّبه من قلبه ، فقال له هذه المقالة ، ومعنى مكين : ذو مكانة وأمانة بحيث يتمكن مما يريده من الملك ويأمنه الملك على ما يطلع عليه من أمره ، أو على ما يكله إليه من ذلك. قيل : إنه لما وصل إلى الملك أجلسه على سريره ، وقال له : إني أحبّ أن أسمع منك تعبير رؤياي ، فعبرها له بأكمل بيان وأتمّ عبارة ، فلما سمع الملك منه ذلك قال له : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) فلما سمع يوسف منه ذلك (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) أي ولني أمر الأرض التي أمرها إليك وهي أرض مصر ، أو اجعلني على حفظ خزائن الأرض ، وهي الأمكنة التي تخزن فيها الأموال ، طلب يوسف عليهالسلام منه ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل ورفع الظلم ، ويتوصل به إلى دعاء أهل مصر إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأوثان ، وفيه دليل على أنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق ويهدم ما أمكنه من الباطل ، طلب ذلك لنفسه ، ويجوز له أن يصف نفسه بالأوصاف التي