سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف «تغرب في عين حامية» قال ابن عباس : فقلت لمعاوية ما نقرؤها إلا (حَمِئَةٍ) فسأل معاوية عبد بن عمرو كيف تقرؤها؟ فقال عبد الله : كما قرأتها ، قال ابن عباس : فقلت لمعاوية : في بيتي نزل القرآن ، فأرسل إلى كعب ، فقال له : أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب : سل أهل العربية فإنهم أعلم بها ، وأما أنا فإني أجد في التوراة في ماء وطين ، وأشار بيده إلى المغرب. قال ابن حاضر : لو أني عند كما أيدتك بكلام تزداد به بصيرة في حمئة : قال ابن عباس : وما هو؟ قلت : فيما نأثر قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم واتّباعه إياه :
قد كان ذو القرنين عمرو مسلما |
|
ملكا تذلّ له الملوك وتحسد |
فأتى المشارق والمغارب يبتغي |
|
أسباب ملك من حكيم مرشد |
فرأى مغيب الشمس عند غروبها |
|
في عين ذي خلب وثأط حرمد |
فقال ابن عباس : ما الخلب؟ قلت : الطين بكلامهم ، قال : فما الثأط؟ قلت : الحمأة. قال : فما الحرمد؟ قلت : الأسود ؛ فدعا ابن عباس غلاما فقال : اكتب ما يقول هذا الرجل. وأخرج الترمذي وأبو داود الطيالسي وابن جرير وابن المنذر عن أبيّ بن كعب أن النبي كان يقرأ (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ). وأخرج الطبراني والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا مثله.
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨))
ثم حكى سبحانه سفر ذي القرنين إلى ناحية أخرى ، وهي ناحية القطر الشمالي بعد تهيئة أسبابه ، فقال : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي : طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص وابن محيصن ويحيى اليزيدي وأبو زيد عن المفضل بفتح السين. وقرأ الباقون بضمها. قال أبو عبيدة وابن الأنباري وأبو عمرو بن العلاء : السد إن كان بخلق الله سبحانه فهو بضم السين حتى يكون بمعنى مفعول ، أي : هو مما فعله الله وخلقه ، وإن كان من عمل العباد فهو بالفتح حتى يكون حدثا. وقال ابن الأعرابي : كل ما قابلك فسدّ ما وراءه فهو سدّ وسدّ نحو الضّعف والضّعف ، والفقر والفقر ، والسدّان هما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان ، وانتصاب بين على أنه مفعول به كما ارتفع بالفاعلية في قوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (١). وقيل : موضع بين السدّين هو منقطع أرض الترك مما يلي المشرق لا جبلا أرمينية وأذربيجان.
__________________
(١). الأنعام : ٩٤.