وحكى ابن جرير في «تاريخه» أن صاحب أذربيجان أيام فتحها وجه إنسانا من ناحية الجزر فشاهده ، ووصف أنه بنيان رفيع وراء خندق وثيق منيع ، و (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) أي : من ورائهما مجازا عنهما ، وقيل : أمامهما (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) قرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان ، أي : لا يبينون لغيرهم كلاما ، وقرأ الباقون بفتح الياء والقاف ، أي : لا يفهمون كلام غيرهم ، والقراءتان صحيحتان ، ومعناهما لا يفهمون عن غيرهم ولا يفهمون غيرهم ، لأنهم لا يعرفون غير لغة أنفسهم (قالُوا) أي : هؤلاء القوم الذين لا يفهمون قولا ، قيل : إن فهم ذي القرنين لكلامهم من جملة الأسباب التي أعطاه الله ، وقيل : إنهم قالوا ذلك لترجمانهم ، فقال لذي القرنين بما قالوا له : (يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) يأجوج ومأجوج اسمان عجميان بدليل منع صرفهما ، وبه قال الأكثر. وقيل : مشتقان من أجّ الظليم في مشيه إذا هرول ، وتأججت النار إذا تلهبت ، قرأهما الجمهور غير همز ، وقرأ عاصم بالهمز. قال ابن الأنباري : وجه همزهما وإن لم يعرف له أصل أن العرب قد همزت حروفا لا يعرف للهمز فيها أصل كقولهم : كبأثت ورثأت واستشأت الريح. قال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ، فمن همز فهو على وزن يفعول مثل يربوع ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس. وأما مأجوج ، فهو مفعول من أجّ ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق. قال : وترك الصرف فيهما على تقدير كونهما عربيين للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة.
واختلف في نسبهم ؛ فقيل : هم من ولد يافث بن نوح ، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم. وقال كعب الأحبار : احتلم آدم فاختلط ماؤه بالتراب فخلقوا من ذلك الماء. قال القرطبي : وهذا فيه نظر ، لأنّ الأنبياء لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، كذلك قال مقاتل وغيره.
وقد وقع الخلاف في صفتهم ؛ فمن الناس من يصفهم بصغر الجثث وقصر القامة ، ومنهم من يصفهم بكبر الجثث وطول القامة ، ومنهم من يقول لهم مخالب كمخالب السباع ، وإن منهم صنفا يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى ، ولأهل العلم من السلف ومن بعدهم أخبار مختلفة في صفاتهم وأفعالهم.
واختلف في إفسادهم في الأرض ، فقيل : هو أكل بني آدم ، وقيل : هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد ؛ وقيل : كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء القوم الذين شكوهم إلى ذي القرنين في أيام الربيع فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلا أكلوه (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) هذا الاستفهام من باب حسن الأدب مع ذي القرنين. وقرئ خراجا. قال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ، ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية ، وعلى الغلّة. والخراج أيضا : اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال ، والخرج المصدر. وقال قطرب : الخرج الجزية ، والخراج في الأرض ؛ وقيل : الخرج ما يخرجه كل أحد من ماله ، والخراج : ما يجبيه السلطان ؛ وقيل : هما بمعنى واحد (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) أي : ردما حاجزا بيننا وبينهم. وقرئ سدّا بفتح السين. قال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم ، والفتح المصدر. وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد ، وقد سبق قريبا ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء وأبي عبيدة وابن الأنباري من الفرق بينهما. وقال ابن أبي