ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال : يقول : ما أشهدت الشياطين الذين اتخذتم معي هذا (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) قال : الشياطين عضدا ، قال : ولا اتخذتهم عضدا على شيء عضدوني عليه فأعانوني. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) يقول : مهلكا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج أبو عبيد وهناد وابن المنذر عنه قال : واد في جهنم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في البعث ، عن أنس في الآية قال : واد في جهنم من قيح ودم. وأخرج أحمد في الزهد ، وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمرو قال : هو واد عميق في النار فرق الله به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) قال : علموا.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩))
لما ذكر سبحانه افتخار الكفرة على فقراء المسلمين بأموالهم وعشائرهم ، وأجابهم عن ذلك وضرب لهم الأمثال الواضحة ، حكى بعض أهوال الآخرة فقال : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي : كرّرنا ورددنا (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ) أي : لأجلهم ولرعاية مصلحتهم ومنفعتهم (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من الأمثال التي من جملتها الأمثال المذكورة في هذه السورة ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة بني إسرائيل ، وحين لم يترك الكفار ما هم فيه من الجدال بالباطل ، ختم الآية بقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) قال الزجّاج : المراد بالإنسان الكافر ، واستدل على أن المراد الكفار بقوله تعالى : (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) وقيل : المراد به في الآية النضر بن الحارث ، والظاهر العموم وأن هذا النوع أكثر الأشياء التي يتأتّى منها الجدال جدلا ، ويؤيّد هذا ما ثبت في الصّحيحين وغيرهما من حديث عليّ : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم طرقه وفاطمة ليلا ، فقال : ألا تصليان؟ فقلت : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئا ، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)». وانتصاب جدلا على التمييز. (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) قد تقدّم الكلام على مثل هذا في سورة بني إسرائيل ، وذكرنا أنّ «أن» الأولى في محل نصب ، والثانية في