شركائي الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم ، وأضافهم سبحانه إلى نفسه جريا على ما يعتقده المشركون ، تعالى الله عن ذلك (فَدَعَوْهُمْ) أي : فعلوا ما أمرهم الله به من دعاء الشركاء (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) إذ ذاك ، أي : لم يقع منهم مجرد الاستجابة لهم ، فضلا عن أن ينفعوهم أو يدفعوا عنهم (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) أي : جعلنا بين هؤلاء المشركين وبين من جعلوهم شركاء لله موبقا ، ذكر جماعة من المفسرين أنه اسم واد عميق ، فرّق الله به تعالى بينهم ، وعلى هذا فهو اسم مكان. قال ابن الأعرابي : كل حاجز بين شيئين فهو موبق. وقال الفرّاء : الموبق : المهلك. والمعنى : جعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكا لهم في الآخرة ، يقال : وبق يوبق فهو وبق ، هكذا ذكره الفراء في المصادر. وحكى الكسائي وبق يبق وبوقا فهو وابق ، والمراد بالمهلك على هذا هو عذاب النار يشتركون فيه. والأوّل أولى ، لأن من جملة من زعموا أنهم شركاء الله الملائكة وعزير والمسيح ، فالموبق هو المكان الحائل بينهم. وقال أبو عبيدة : الموبق هنا الموعد للهلاك ، وقد ثبت في اللغة أوبقه بمعنى أهلكه ، ومنه قول زهير :
ومن يشتري حسن الثّناء بماله |
|
يصن عرضه عن كلّ شنعاء موبق |
ولكن المناسب لمعنى الآية هو المعنى الأوّل (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) المجرمون موضوع موضع الضمير للإشارة إلى زيادة الذمّ لهم بهذا الوصف المسجّل عليهم به ، والظن هنا بمعنى اليقين. والمواقعة : المخالطة بالوقوع فيها ؛ وقيل : إن الكفار يرون النار من مكان بعيد فيظنّون ذلك ظنا (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) أي : معدلا يعدلون إليه ، أو انصرافا ؛ لأن النار قد أحاطت بهم من كل جانب. قال الواحدي : المصرف : الموضع الذي ينصرف إليه. وقال القتبي : أي معدلا ينصرفون إليه ، وقيل : ملجأ يلجئون إليه. والمعنى متقارب في الجميع.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) قال : ليس عليها بناء ولا شجر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) قال : الصغيرة : التبسم ، والكبيرة : الضحك. وزاد ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عنه قال : الصغيرة : التبسم بالاستهزاء بالمؤمنين ، والكبيرة : القهقهة بذلك. وأقول : صغيرة وكبيرة نكرتان في سياق النفي ، فيدخل تحت ذلك كل ذنب يتّصف بصغر ، وكل ذنب يتّصف بالكبر ، فلا يبقى من الذنوب شيء إلا أحصاه الله ، وما كان من الذنوب ملتبسا بين كونه صغيرا أو كبيرا ، فذلك إنما هو بالنسبة إلى العباد لا بالنسبة إلى الله سبحانه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس قال : إنّ من الملائكة قبيلة يقال لم الجنّ فكان إبليس منهم ، وكان يوسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى فسخط الله عليه ، فمسخه الله شيطانا رجيما. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (كانَ مِنَ الْجِنِ) قال : كان خازن الجنان ، فسمي بالجنّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا : قال إن إبليس كان من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : قاتل الله أقواما زعموا أن إبليس كان من الملائكة طرفة عين ، إنه لأصل الجنّ كما أن آدم أصل الإنس. وأخرج