الفسق أمر ربه. كما تقول : أطعمته عن جوع. والقول الآخر قول قطرب : أن المعنى على حذف المضاف : أي فسق عن ترك أمره. ثم إنه سبحانه عجب من حال من أطاع إبليس في الكفر والمعاصي وخالف أمر الله ، فقال : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ) كأنه قال : أعقيب ما وجد منه من الإباء والفسق تتخذونه وتتخذون ذريته ، أي : أولاده ؛ وقيل : أتباعه ـ مجازا ـ أولياء (مِنْ دُونِي) فتطيعونهم بدل طاعتي ، وتستبدلونهم بي ، والحال أنهم ، أي : إبليس وذريته (لَكُمْ عَدُوٌّ) أي : أعداء ، وأفرده لكونه اسم جنس ، أو لتشبيهه بالمصادر ، كما في قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) (١) ، وقوله : (هُمُ الْعَدُوُّ) (٢) أي : كيف تصنعون هذا الصنع وتستبدلون بمن خلقكم وأنعم عليكم بجميع ما أنتم فيه من النعم؟ بمن لم يكن لكم منه منفعة قط ، بل هو عدوّ لكم يترقب حصول ما يضركم في كل وقت (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) أي : الواضعين للشيء في غير موضعه المستبدلين بطاعة ربهم طاعة الشيطان ، فبئس ذلك البدل الذي استبدلوه بدلا عن الله سبحانه (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال أكثر المفسرين : إنّ الضمير للشركاء ، والمعنى : أنهم لو كانوا شركاء لي في خلق السموات والأرض وفي خلق أنفسهم لكانوا شاهدين خلق ذلك مشركين لي فيه ، ولم يشاهدوا ذلك ولا أشهدتهم إياه أنا فليسوا لي بشركاء. وهذا استدلال بانتفاء الملزوم المساوي على انتفاء اللازم. وقيل : الضمير للمشركين الذين التمسوا طرد فقراء المؤمنين ، والمراد أنهم ما كانوا شركاء لي في تدبير العالم ؛ بدليل أني ما أشهدتهم خلق السموات والأرض (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) ما اعتضدت بهم بل هم كسائر الخلق ؛ وقيل : المعنى : أن هؤلاء الظالمين جاهلون بما جرى به القلم في الأزل ؛ لأنهم لم يكونوا مشاهدين خلق العالم ، فكيف يمكنهم أن يحكموا بحسن حالهم عند الله ، والأوّل من هذه الوجوه أولى لما يلزم في الوجهين الآخرين من تفكيك الضميرين ، وهذه الجملة مستأنفة لبيان عدم استحقاقهم للاتخاذ المذكور ، وقرأ أبو جعفر «ما أشهدناهم» ، وقرأ الباقون «ما أشهدتهم» ، ويؤيده (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) والعضد يستعمل كثيرا في معنى العون ، وذلك أن العضد قوام اليد ، ومنه قوله : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) (٣) أي : سنعينك ونقوّيك به ، ويقال : أعضدت بفلان إذا استعنت به ، وذكر العضد على جهة المثل ، وخصّ المضلين بالذكر لزيادة الذمّ والتوبيخ. والمعنى : ما استعنت على خلق السماوات والأرض بهم ولا شاورتهم ، وما كنت متخذ الشياطين أو الكافرين أعوانا ، ووحد العضد لموافقة الفواصل. وقرأ أبو جعفر الجحدري «وما كنت» بفتح التاء على أن الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أي : وما كنت يا محمد متّخذا لهم عضدا ، ولا صحّ لك ذلك ، وقرأ الباقون بضم التاء ، وفي عضد لغات ثمان أفصحها فتح العين وضمّ الضاد ، وبها قرأ الجمهور. وقرأ الحسن «عضدا» بضم العين والضاد ، وقرأ عكرمة بضم العين وإسكان الضاد ، وقرأ الضحّاك بكسر العين وفتح الضاد ، وقرأ عيسى بن عمر بفتحهما ، ولغة تميم فتح العين وسكون الضاد. ثم عاد سبحانه إلى ترهيبهم بأحوال القيامة فقال : (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) قرأ حمزة ويحيى بن وثّاب وعيسى بن عمر «نقول» بالنون ، وقرأ الباقون بالياء التحتية ؛ أي : اذكر يوم يقول الله عزوجل للكفار توبيخا لهم وتقريعا : نادوا
__________________
(١). الشعراء : ٧٧.
(٢). المنافقون : ٤.
(٣). القصص : ٣٥.