السريرة أفضل من العلانية. وقيل : العدل الإنصاف ، والإحسان التفضل. والأولى تفسير العدل بالمعنى اللغوي ، وهو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط ؛ فمعنى أمره سبحانه بالعدل أن يكون عباده في الدين على حالة متوسطة ؛ ليست بمائلة إلى جانب الإفراط وهو الغلوّ المذموم في الدين ، ولا إلى جانب التفريط وهو الإخلال بشيء مما هو من الدين ؛ وأما الإحسان فمعناه اللغوي يرشد إلى أنه التفضل بما لم يجب كصدقة التطوّع ، ومن الإحسان فعل ما يثاب عليه العبد مما لم يوجبه الله عليه في العبادات وغيرها ، وقد صحّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه فسّر الإحسان بأن يعبد الله العبد حتى كأنه يراه ، فقال في حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين : «والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» وهذا هو معنى الإحسان شرعا (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) أي : إعطاء القرابة ما تدعو إليه حاجتهم ، وفي الآية إرشاد إلى صلة الأقارب وترغيب في التصدق عليهم ، وهو من باب عطف الخاص على العام إن كان إعطاء الأقارب قد دخل تحت العدل والإحسان ؛ وقيل : من باب عطف المندوب على الواجب ، ومثل هذه الآية قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (١). وإنما خصّ ذوي القربى لأن حقهم آكد ، فإن الرحم قد اشتق الله اسمها من اسمه ، وجعل صلتها من صلته وقطيعتها من قطيعته (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) هي الخصلة المتزايدة في القبح من قول أو فعل ، وقيل : هي الزنا ، وقيل : البخل (وَالْمُنْكَرِ) ما أنكره الشرع بالنهي عنه ، وهو يعمّ جميع المعاصي على اختلاف أنواعها ، وقيل : هو الشرك (وَ) أما (الْبَغْيِ) فقيل : هو الكبر ، وقيل : الظلم ، وقيل : الحقد ، وقيل : التعدّي ، وحقيقته تجاوز الحدّ فيشمل هذه المذكورة ويندرج بجميع أقسامه تحت المنكر ، وإنما خصّ بالذكر اهتماما به لشدّة ضرره ووبال عاقبته ، وهو من الذنوب التي ترجع على فاعلها لقوله سبحانه : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٢) ، وهذه الآية هي من الآيات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله : (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي : يعظكم بما ذكره في هذه الآية مما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنها كافية في باب الوعظ والتذكير ، لعلّكم تذكرون إرادة أن تتذكروا ما ينبغي تذكره فتتّعظوا بما وعظكم الله به.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) قال : شهيدها نبيها على أنه قد بلغ رسالات ربه ، قال الله : (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) قال : ذكر لنا أن نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) قال : حدّثوهم. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) قال : استسلموا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد بن السريّ وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في البعث والنشور ، عن ابن مسعود في قوله : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) قال : زيدوا عقارب لها أنياب كالنخل الطوال. وأخرج ابن مردويه والخطيب عن البراء : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن قول الله تعالى (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) ، فقال : عقارب أمثال
__________________
(١). الإسراء : ٢٦.
(٢). يونس : ٢٣.