الأزهري : وجعل الرّياح لواقح لأنها تحمل السحاب ، أي : تقله وتصرفه ، ثم تمرّ به فتنزله. قال الله سبحانه : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً) ، أي : حملت. وناقة لاقح ؛ إذا حملت الجنين في بطنها ، وبه قال الفراء وابن قتيبة ؛ وقيل : لواقح بمعنى ملقحة. قال ابن الأنباري : تقول العرب : أبقل النبت فهو باقل ، وقيل : مبقل ؛ والمعنى : أنها تلقح الشجر ، أي : بقوّتها ؛ وقيل : معنى لواقح : ذوات لقح. قال الزجّاج : معناه : ذات لقحة ؛ لأنها تعصر السحاب وتدرّه كما تدرّ اللقحة ؛ يقال رامح ، أي : ذو رمح ، ولابن ، أي : ذو لبن ، وتامر ، أي : ذو تمر. قال أبو عبيدة : لواقح بمعنى ملاقح ، ذهب إلى أنها جمع ملقحة. وفي هذه الآية تشبيه الرياح التي تحمل الماء بالحامل ، ولقاح الشجر بلقاح الحمل (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) أي : من السحاب ، وكلّ ما علاك فأظلّك فهو سماء ، وقيل : من جهة السماء ، والمراد بالماء هنا ماء المطر (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) أي : جعلنا ذلك المطر لسقياكم ولشرب مواشيكم وأرضكم. قال أبو عليّ : يقال سقيته الماء إذا أعطيته قدر ما يروى ؛ وأسقيته نهرا ، أي : جعلته شربا له ، وعلى هذا (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) أبلغ من سقيناكموه ؛ وقيل : سقى وأسقى بمعنى واحد (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) أي : ليست خزائنه عندكم ، بل خزائنه عندنا ، ونحن الخازنون له ، فنفى عنهم سبحانه ما أثبته لنفسه في قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ). وقيل : المعنى : ما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم ، أي : لا تقدرون على حفظه في الآبار والغدران والعيون ، بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة إليه (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) أي : نوجد الحياة في المخلوقات ونسلبها عنها متى شئنا ، والغرض من ذلك الاستدلال بهذه الأمور على كمال قدرته عزوجل ، وأنه القادر على البعث والنشور والجزاء لعباده على حسب ما يستحقونه وتقتضيه مشيئته ، ولهذا قال : (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) أي : للأرض ومن عليها ؛ لأنه سبحانه الباقي بعد فناء خلقه ، الحيّ الذي لا يموت ، الدائم الذي لا ينقطع وجوده ، (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١). (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) هذه اللام هي الموطئة للقسم ، وهكذا اللام في (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) ، والمراد من تقدّم ولادة وموتا ، ومن تأخر فيهما ؛ وقيل : من تقدّم طاعة ومن تأخر فيها ، وقيل : من تقدم في صف القتال ومن تأخر ؛ وقيل : المراد بالمستقدمين الأموات ، وبالمستأخرين الأحياء ؛ وقيل : المستقدمين هم الأمم المتقدّمون على أمة محمد ، والمستأخرون هم أمة محمد ، وقيل : المستقدمون من قتل في الجهاد ، والمستأخرون من لم يقتل. (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) وهو المتولي لذلك ، القادر عليه دون غيره ، كما يفيده ضمير الفصل من الحصر. وفيه أنه سبحانه يجازي المحسن بإحسانه ، والمسيئ بإساءته ؛ لأنه الأمر المقصود من الحشر (إِنَّهُ حَكِيمٌ) يجري الأمور على ما تقتضيه حكمته البالغة (عَلِيمٌ) أحاط علمه بجميع الأشياء لا يخفى عليه شيء منها ، ومن كان كذلك فله القدرة البالغة على كلّ شيء ممّا وسعه علمه ، وجرى فيه حكمه سبحانه لا إله إلا هو.
__________________
(١). آل عمران : ١٨٠.