قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة |
|
عندي لكلّ مخاصم ميزانه |
وقيل : معنى موزون مقسوم ، وقيل : معدود ، والمقصود من الإنبات : الإنشاء والإيجاد ؛ وقيل : الضمير راجع إلى الجبال ، أي : أنبتنا في الجبال من كلّ شيء موزون من الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحو ذلك ؛ وقيل : موزون بميزان الحكمة ، ومقدّر بقدر الحاجة ؛ وقيل : الموزون هو المحكوم بحسنه كما يقال كلام موزون ، أي : حسن (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) تعيشون بها من المطاعم والمشارب جمع معيشة ، وقيل : هي الملابس ، وقيل : هي التصرف في أسباب الرزق مدّة الحياة. قال الماوردي : وهو الظاهر. قلت : بل القول الأوّل أظهر ، ومنه قول جرير :
تكلّفني معيشة آل زيد |
|
ومن لي بالمرقّق والصّنابا (١) |
(وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) معطوف على معايش ؛ أي : وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين ؛ وهم المماليك والخدم والأولاد الذين رازقهم في الحقيقة هو الله ، وإن ظنّ بعض العباد أنه الرازق لهم باعتبار استقلاله بالكسب ، ويجوز أن يكون معطوفا على محل لكم ، أي : جعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لمن لستم له برازقين فيها معايش ، وهم من تقدّم ذكره ، ويدخل في ذلك الدوابّ على اختلاف أجناسها ، ولا يجوز العطف على الضمير المجرور في لكم ؛ لأنه لا يجوز عند الأكثر إلا بإعادة الجارّ ؛ وقيل : أراد الوحش (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) إن هي النافية ومن مزيدة للتأكيد ، وهذا التركيب عام لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة من ، ومع لفظ شيء المتناول لكل الموجودات الصادق على كل فرد منها ، فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء. والخزائن : جمع خزانة ، وهي المكان الذي يحفظ فيه نفائس الأمور ، وذكر الخزائن تمثيل لاقتداره على كل مقدور ؛ والمعنى : أن كل الممكنات مقدورة ومملوكة يخرجها من العدم إلى الوجوب بمقدار كيف شاء. وقال جمهور المفسرين : إن المراد بما في هذه الآية هو المطر ؛ لأنه سبب الأرزاق والمعايش ؛ وقيل : الخزائن : المفاتيح ، أي : ما من شيء إلا عندنا في السماء مفاتيحه ، والأولى ما ذكرناه من العموم لكل موجود ، بل قد يصدق الشيء على المعدوم على الخلاف المعروف في ذلك (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) أي : ما ننزله من السماء إلى الأرض أو نوجده للعباد إلا بقدر معلوم ، والقدر المقدار ؛ والمعنى : أن الله سبحانه لا يوجد للعباد شيئا من تلك الأشياء المذكورة إلا متلبسا ذلك الإيجاد بمقدار معين حسبما تقتضيه مشيئته على مقدار حاجة العباد إليه كما قال سبحانه : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) (٢) وقد فسّر الإنزال بالإعطاء ، وفسّر بالإنشاء ، وفسّر بالإيجاد ، والمعنى متقارب ، وجملة وما ننزله معطوفة على مقدّر : أي وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ننزله وما ننزله ، أو في محل نصب على الحال (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) معطوف على (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) وما بينهما اعتراض. قرأ حمزة «الريح» بالتوحيد. وقرأ من عداه (الرِّياحَ) بالجمع ، وعلى قراءة حمزة فتكون اللام في الريح للجنس. قال
__________________
(١). «المرقّق» : الأرغفة الرقيقة الواسعة. «الصناب» : صباغ يتّخذ من الخردل والزبيب ، يؤتدم به.
(٢). الشورى : ٢٧.