السيارة منها ؛ قاله أبو صالح ، وقيل : هي قصور وبيوت في السماء فيها حرس ، والضمير في (وَزَيَّنَّاها) راجع إلى السماء ، أي : وزينا السماء بالشمس والقمر والنجوم والبروج للناظرين إليها ، أو للمتفكرين المعتبرين المستدلّين إذا كان من النظر ، وهو الاستدلال (وَحَفِظْناها) أي : السماء (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) قال أبو عبيدة : الرجيم المرجوم بالنجوم ، كما في قوله : (رُجُوماً لِلشَّياطِينِ). والرجم في اللغة هو الرمي بالحجارة ، ثم قيل للّعن والطرد والإبعاد رجم ؛ لأن الرامي بالحجارة يوجب هذه المعاني (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) استثناء متصل ، أي : إلا ممن استرق السمع ، ويجوز أن يكون منقطعا ، أي : ولكن من استرق السمع (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) والمعنى : حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئا من الوحي وغيره ، إلا من استرق السمع فإنها تتبعه الشهب فتقتله أو تخبله. ومعنى (فَأَتْبَعَهُ) تبعه ولحقه أو أدركه. والشهاب : الكوكب أو النار المشتعلة الساطعة كما في قوله : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) قال ذو الرّمة :
كأنّه كوكب في إثر عفرية (١)
وسمّي الكوكب شهابا لبريقه شبه النار ، والمبين : الظاهر للمبصرين يرونه لا يلتبس عليهم. قال القرطبي : واختلف في الشهاب هل يقتل أم لا؟ فقال ابن عباس : الشهاب يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل ، وقال الحسن وطائفة : يقتل. فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجنّ قولان ؛ أحدهما : أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم ، فلا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء ، ولذلك انقطعت الكهانة. والثاني : أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجنّ ، قال : ذكره الماوردي ، ثم قال : والقول الأوّل أصحّ. قال : واختلف هل كان رمي بالشهب قبل المبعث ، فقال الأكثرون : نعم ، وقيل : لا ، وإنما ذلك بعد المبعث. قال الزجاج : والرمي بالشهب من آيات النبي صلىاللهعليهوسلم ممّا حدث بعد مولده لأن الشعراء في القديم لم يذكروه في أشعارهم. قال كثير من أهل العلم : نحن نرى انقضاض الكواكب ، فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ، ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان ، ويجوز أن يقال : يرمون بشعلة من نار الهواء فيخيل إلينا أنه نجم يسري (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) أي : بسطناها وفرشناها كما في قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٢) ، وفي قوله : (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) (٣) ، وفيه ردّ على من زعم أنها كالكرة (٤) (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أي : جبال ثابتة لئلا تحرك بأهلها ، وقد تقدم بيان ذلك في سورة الرعد (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي : أنبتنا في الأرض من كلّ شيء مقدّر معلوم ، فعبّر عن ذلك بالوزن ؛ لأنه مقدار تعرف به الأشياء ، ومنه قول الشاعر :
__________________
(١). وعجزه : مسوّم في سواد الليل منقضب.
(٢). النازعات : ٣٠.
(٣). الذاريات : ٤٨.
(٤). قوله تعالى : «فرشناها» هذا ما يبدو للناظر أنها مبسوطة ممدودة ، و «دحاها» : جعلها كالبيضة ليست تامة الكروية ، فهي مفلطحة من جانبيها. وليس في الآيات المذكورة ما ينفي أن الأرض كروية ، خاصة وقد أثبتت الحقائق العلمية كرويتها.