وقوله : (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ) ، وفيه دلالة فضل العلوى على السفلى ؛ لأن ما ينزل من السماء من الماء ينزل عذبا ، وما يخرج من الأرض يخرج مختلفا : منه ما هو عذب ومنه ما هو أجاج ، ومنه ما هو مر. فدل ذا [على] فضل العلوى على السفلى.
وقوله : (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ، قد ذكرنا هذا أن فيه دلالة البعث.
وقوله : (وَبَثَّ فِيها) ، قيل : خلق.
وقيل : بسط.
وقيل (١) : فرق.
(مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ).
قيل : جعل فيها من كل جوهر الدابة.
منها : ما جعل مأكولا منتفعا بها من كل أنواع المنافع ؛ ليدلهم وليرغبهم على ما وعد لهم فى الجنة.
ومنها : ما جعل غير مأكولة ولا منتفع بها ، بل جعلها أعداء لهم ليدلهم على تحذير ما أوعدوا وحذروا فى النار.
وقوله : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يحتمل وجهين :
يحتمل : تصرفها مرة للعذاب ، ومرة للمنافع ؛ لأنه جعل فيها منافع كثيرة للخلق : بها تجرى السفن فى البحار ، وبها تنشر السحاب فى الهواء ، وبها تنتفى الأشياء ، وبها يتميز ما للخلق مما للدواب مما يكثر ذلك. ثم يعلم من عظم لطفه أنه جعل الهواء بحال لا يقر فيها شىء وإن لطف ، والسحاب مع غلظه وكثافته جعل الهواء مع لطافتها ورقتها مقرّا للسحاب حتى يعلم أن ليس لغير الله فيه تدبير.
ويحتمل : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) صرفه (٢) إياها مرة صباء ، ومرة دبورا ، ومرة جنوبا ومرة نسيما ، ومرة يمينا ، ومرة شمالا للمنافع.
ثم فيه دلالة أنها من الأجسام ، لا من الأعراض ؛ لأنه جل وعزّ جعلها ماسة مانعة لا صارعة من قام فى ناحيتها ، وذلك صفة الأجسام ، لا صفة الأعراض ، لكن لا ترى للطافتها ؛ فدل أنها من الأجسام ما لا يرى ولا يمس ، كالهواء لا يرى ولا يمس وهو من الأجسام ، وكالذرة التى فى الشمس ترى ولا تمس.
__________________
(١) قاله ابن جرير (١ / ٦٩) ، والبغوى (١ / ١٣٥).
(٢) فى ب : عرفه.