الله ـ عزوجل ـ وصف ملائكته بالطاعة له والائتمار بأمره ، بقوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ...) الآية [التحريم : ٦] ، وكقوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ...) الآية [الأنبياء : ٢٧].
وكذلك يقول الحسن فى إبليس : إنه لم يكن من الملائكة. وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم.
ثم عارض نفسه بقولهما : (فَلا تَكْفُرْ).
فقال : إن المخبر بمثله إذا عرف ولوع السامع به ، وبما يعرض مثله ـ على العلم منه : أنه يفعل ، ولا يرتدع عن ذلك ـ يقول ذلك له ؛ ترغيبا منه ، والله أعلم.
ومنهم من يقول (١) : كانا ملكين ، لكنهما علما الاسم الأعظم ، فيقضيان به الحوائج إلى أن حل بهما ما حل.
وبهذا يحتج فى بلعم (٢) بقوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ ...) الآية [الأعراف : ١٧٥].
ثم اختلف بعد هذا على أوجه :
قال بعضهم : لم يكن ذلك منهما سحرا ، بل هو تعويذ الفرقة يقدر عليه.
وقال قائلون : إن ما أنزل على الملكين أنزل كلاما حسنا صوابا ، لكنه خلط بالذى لقنهم الشيطان ؛ فصار سحرا.
وقال آخرون : بلى. كان هو فى نفسه سحرا ، يعلمان الناس ذلك ، لكنه لا ينهى عن تعليمه ، ولا يكفر الذى تعلم (٣). إنما ينهى عن الاعتقاد له ، فكان كالكفر الذى يعلم ، لا
__________________
(١) هو قول ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٦٨٤ ، ١٦٨٥) وعن ابن عمر (١٦٨٧ ، ١٦٨٨). وانظر الدر المنثور (١ / ١٨٥ ـ ١٩٣).
(٢) قال ابن عباس وابن مسعود : نزلت هذه الآية فى (بلعم بن باعوراء).
وقال مجاهد : بلعام بن باعر.
وقال عطية عن ابن عباس : كان من بنى إسرائيل.
وروى عن ابن أبى طلحة : أنه كان من الكنعانيين من مدينة الجبارين.
وقال مقاتل : هو من مدينة البلقاء ، وذلك أن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقومه ، قصد بلده ، وغزا أهله وكانوا كفارا ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى وقومه وكان مجاب الدعوة وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه ، فما زالوا يطلبونه حتى دعا عليه ، فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل فى التيه بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأى ذنب وقعنا فى التيه؟
فقال : بدعاء بلعم ، فقال : كما سمعت دعاءه على ، فاسمع دعائى عليه ، ثم دعا موسى عليهالسلام أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه الله مما كان عليه ، ونزع منه المعرفة ، فخرجت من صدره حمامة بيضاء.
(٣) فى أ : يعلم.