ورأوا التشديد ، والمشقة ـ أبوا قبولها ، وتركوا العمل بما فيها من الأحكام والشرائع ؛ فخوّفوا برفع الجبل فوقهم ؛ فقبلوا ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
يحتمل وجوها :
قيل (١) : فضل الله عليكم الإسلام ورحمته : القرآن.
وقيل : فضل الله عليكم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، بعث إليكم رسولا ؛ ليجمعكم ، ويؤلف بينكم ، ويدعوكم إلى دين الله الحق ، بعد ما كنتم فى فترة من الرسل ، وانقطاع من الدين والعمل.
ويحتمل : فضل الله عليكم ؛ لما أنجى آباءكم من العذاب ، ولم يرسل عليهم الجبل ، وإلا ما توالدتم أنتم.
وقيل : فضل الله عليكم ؛ لما أعطاهم التوراة ، ووفقهم على قبولها ، وإلا كنتم من الخاسرين. وبعضه قريب من بعض.
وقوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ).
فيه دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛
كأنه قال : ولقد علمتم أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لم يكن يعلم الذين اعتدوا منكم فى السبت ، ولا كان علم ما فعل بهم ، ثم علم ذلك ؛ فإنما علم بالله ـ عزوجل ـ لأنه لم يكن قرأ كتابكم ، ولا كان يختلف إلى أحد ممن يعرف ذلك ؛ فبالله ـ عزوجل ـ عرف ذلك ، وبه علم ؛ فدل : أنه رسول الله إليكم.
ويحتمل قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).
أى : علمتم ما أصاب أولئك باعتدائهم يوم السبت بالاصطياد ، وكنتم تقولون : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨]. يعنى : أبناء رسل الله وأحباؤه.
فلو كان كما تقولون ، لم يكن ليجعلهم قردة ـ وهى أقبح خلق الله ، وأوخشه ـ إذ مثل ذلك لا يفعل بالأحبّاء ولا بالأبناء.
أو أن يحمل على التحذير لهؤلاء ؛ لئلا يكذّبوا محمدا صلىاللهعليهوسلم ولا يعصوه فى أمره ، فيصيبكم ما أصاب أولئك ؛ بتكذيبهم موسى ، وعصيانهم أمره ، والله أعلم.
ثم سبب تحريم الاصطياد فى السبت كان ـ والله أعلم ـ لما قيل : إنّ موسى صلىاللهعليهوسلم أراد أن يجعل يوما لله ، خالصا للطاعة له ، والعبادة فيه ـ وهو يوم الجمعة ـ فخالفوا هم أمره
__________________
(١) قاله أبو العالية ، أخرجه ابن جرير عنه (١١٣٧ ، ١١٣٨).