وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ).
قد ذكرنا فيما تقدم : أن الآيات ، هى الحجج التى أعطى الرسل ، وأجراها على أيديهم.
وقال الحسن : هى دين الله.
وقوله : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ).
يحتمل : أن يكون هذا فى غيرهم ؛ لأنه لم يكن فى زمن موسى نبى سوى هارون ، وهم لم يقتلوه.
إلا أن يقال : إن ذلك كان من أولادهم بعد موسى.
أو كان ذلك من غيرهم سوى هؤلاء وأولادهم.
على أن قتل الأنبياء فى بنى إسرائيل كان ظاهرا ، حتى قيل : قتل فى يوم كذا كذا نبيّا.
ولم يذكر قتل رسول من الرسل ، وذلك ـ والله أعلم ـ لقوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) [غافر : ٥١] ، ولقوله : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) [الصافات : ١٧٢] أخبر أنه ينصرهم ، وأنهم منصورون ومن كان الله ناصره فهو المنصور أبدا.
ولأن الرسل هم الذين أوتوا الآيات المعجزة ؛ فلم يكن لهم استقبال الرسل بذلك للآيات التى كانت معهم.
وأما الأنبياء ، فلم يكن معهم تلك الآيات المعجزة ، وإنما كانوا يدعون الخلق إلى دين الله بالآيات التى كانت للرسل ، والحجج التى كانت معهم ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.
قال قوم : لم يقتل أحد من الرسل ، وإنما قتل الأنبياء ، أو رسل الرسل.
فإن كان كذلك فعلى ذلك يخرج ما ذكرنا من الآيات.
وإن لم يكن فالنصر كان بالحجج والآيات ؛ فكانت تلك للكل.
وعلى ذلك : لا دلالة فى كون الآيات مع الأنبياء ، وغير كونها ، فإن لم يكن (١) لهم ابتداء شرع ، ولا نسخ ، بل على الدعاء إلى ما سبق من الشرائع وكانت آياتهم كآيات الرسل ، أو دلالات العصمة ، مع ما كان بهم حفظ الكتب السماوية بلا تبديل.
والله أعلم بالحق فى ذلك ، ونعتصم بالله عن بسط اللسان فى ذلك ، بالتدبير ، دون شىء ظهر على ألسن الرسل ، أو القول فيهم بشيء إن كانت آية لكل ، أو لا. لكن الله تعالى قد أقام حجته لكلّ على قدر الكفاية والتمام.
__________________
(١) فى أ : فلما لم يكن.