للرؤساء منهم بقوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ) إلى قوله : (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) والله أعلم.
ويحتمل : أن اصبروا على ترك الرئاسة لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، والانقياد والخضوع له ، لما بيّن لكم من الثواب فى الآخرة لمن آمن به وأطاعه ، وترك الرئاسة له.
ويحتمل : أن اصبروا على المكاره وترك الشهوات ؛ بأن الجنة لا تدرك إلا بذلك ؛ لما جاء : «حفت الجنة بالمكاره ، والنار بالشهوات» (١).
ويحتمل : أن استعينوا بالصوم والصلاة على أدائهما.
لكن هذا يرجع إلى المؤمنين ، والآية نزلت (٢) فى رؤساء بنى إسرائيل ، دليله قوله : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ).
وإنما يصلح هذا التأويل فى قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا ...) الآية [البقرة : ١٥٣].
وقوله عزوجل : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ).
يخرّج ـ والله أعلم ـ على ما ذكرنا من ترك الرئاسة ، والمأكلة فى الدنيا ، إنها لكبيرة عليهم إلا على الخاشعين ، فإنها غير كبيرة ، ولا عظيمة عليهم.
ويحتمل : أنّ ترك الرئاسة لمحمد صلىاللهعليهوسلم والانقياد له ، والخضوع ـ لثقيل إلا على الخاشعين ؛ فإنه لا يثقل ذلك عليهم ، ولا يكبر.
ويحتمل أن يقال : إن الصبر على الطاعة ، وأداء هذه الفرائض كبيرة على المنافقين إلا
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٧٤) كتاب الجنة باب صفة نعيمها ، حديث (١ / ٢٨٢٢) والترمذى (٤ / ٦٩٣) ، كتاب صفة الجنة ، باب ما جاء «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» ، حديث (٢٥٥٩) ، وأحمد (٣ / ١٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٨٤) ، وأبو يعلى (٦ / ٣٣) ، رقم (٣٢٧٥) ، وابن حبان (٧١٦ ، ٧١٨) ، والبيهقى فى (الشعب) (٧ / ١٤٧) رقم (٩٧٩٥) والخطيب فى (تاريخ بغداد) (٨ / ١٨٤) ، والبغوى فى (شرح السنة) (٧ / ٣٣١) من حديث أنس بن مالك به مرفوعا ، وقال الترمذى : حسن صحيح غريب.
وله شاهد من حديث أبى هريرة :
أخرجه البخارى (١١ / ٣٢٧) كتاب الرقاق ، باب حجبت النار بالشهوات ، حديث (٦٤٨٧) ، ومسلم (٤ / ٢١٧٤) ، كتاب الجنة ، حديث (١ / ٢٨٢٣) ، وأحمد (٢ / ٢٦٠) ، وابن حبان (٧١٩) ، كلهم من طريق أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة به.
وعند البخارى : (حجبت) بدلا من (حفت).
وأخرجه القضاعى فى مسند الشهاب (٥٦٧) من طريق مالك عن سمى عن أبى صالح عن أبى هريرة به.
(٢) هذا يفهم من سياق الآية السابقة فإن ابن جرير أخرجه عن ابن عباس (٨٤٠ ، ٨٤١) أن الخطاب لبنى إسرائيل ، وبمثله عن السدى (٨٤٢) وقتادة (٨٤٣) وابن زيد (٨٤٥).