صنف ينتحل الكتاب الذى هو عندهم مما جاء به الرسل ، [لكن أئمتهم](١) قد غيروا ما فى كتبهم من دين الله وأحكامه حتى عطلوا (٢) ذلك ، وأبدعوا غير الذى جاءت به الرسل من الدين والأحكام.
بيّن ذلك قوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا ...) الآية [آل عمران : ١٠٥].
وقوله : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) [المائدة : ١٥].
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ...) الآية [الأنعام : ١٥٩].
ومنهم من أبدع الكتاب ونسب إليهم ؛ كقوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ ...) الآية [آل عمران : ٧٨].
تبين ما ظهر من التفرق فيهم ، ومن القول فى أنبيائهم ، وفى الله سبحانه. ومعلوم أن دين الرسل واحد غير مختلف ، وبما كان من الفترة اندرست الكتب ، وذهبت الرسوم ؛ فصاروا فى ظلمة الضلالة ، وحيرة الزيغ ، وتاهوا فى سبيل الشيطان ، وانقطع من بين أظهرهم الأئمة الذين يوثق بهم فى الدين ، بما ليس لأحد برهان يشهد له بالتمسك بسبيل الأنبياء ، والاعتصام بكتبهم ؛ إذ كلهم يدعى ذلك ـ وقد ظهر فيهم القول المختلف والمتناقض الذى لا تحتمله الحكمة ، ولا يصبر عليه العقل.
وصنف : لا ينتحل الكتاب ، ولا يؤمن بنبى من الأنبياء ، بل يعبدون الأوثان والنيران والأحجار ، وما يهوون مما لا يملك الضرر ولا النفع ، ليس لهم شرع ، بل هم حيارى ، لا يعرفون معبودا ، ولا يبصرون طريقا ، وليس فيهم من إذا فزعوا إليه دلهم على المحجة ، وأطلعهم على الحق ، بل هم فى الضلال تائهون ، وفى الظلمات متحيرون.
فأحوج الفريقين جميعا ما حل بهم من الحيرة والتّيه ، إلى من يشفيهم من داء الضلالة بنور الهدى ، ومن ظلمة الاختلاف بضياء الائتلاف ، ويخرجهم من سبيل الشيطان إلى سبيل الله ، ويدلّهم على معرفة المعبود الحق لئلا يتخذوا من دونه أربابا.
فبعث إليهم ـ عند شدة حاجتهم ـ رسولا ، وأكرمهم بما أراهم من الآيات التى يعلمهم بها أنه أنعم بها عليهم ؛ ليستنقذهم من الضلالة إن هم أطاعوه ، وشكروا نعمة الله.
فكانوا كقوم بلوا بظلمات الليل والسحاب ، فتحيروا فيها بما حالت الظلمة بينهم وبين حاجاتهم ، وتعذر عليهم الوجه فى وضع أقدامهم ، فتاهوا ، فدفعهم التّيه إلى استيقاد النار ؛ ليبلغوا حوائجهم ، ويأمنوا العطب فى وضع الأقدام.
__________________
(١) فى أ : لكنهم.
(٢) فى أ : غلطوا.