الَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية [البقرة : ١٤].
وقيل (١) : إنها نزلت فى اليهود ؛ لأنه سبق ذكر اليهود ، وهو قوله : (... أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ...) الآية [البقرة : ٦].
ويحتمل : نزولها فى الفريقين جميعا.
وروى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : «إن هذا من المكتوم» فلا يحتمل ما قال ؛ لأنه مثل ضربه الله ، والأمثال إنما تضرب لتفهم وتقرّب إلى الفهم ما بعد منه ؛ فلو حمل على ما قال لم يفهم مراده وما قرّب إلى الفهم شيئا ، إلا أن يريد من المكتوم : أنه لم يعلم فيمن نزل ، فهو محتمل ، والله أعلم.
وقوله عزوجل : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ...) الآية.
يحتمل : أن يكون الإضافة إلى من ذكر من المنافقين بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ ...) الآية [البقرة : ٨] ، وقوله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ...) الآية [البقرة : ١٤ ، ٧٦]. وذلك يخرج على وجوه :
أحدها : أنهم قصدوا قصد المخادعة بأولياء الله والاستهزاء بهم ؛ ففضحهم الله بذلك فى الدنيا والآخرة.
فأما فى الدنيا فبما هتك سترهم ، وأطلع على ذلك أولياءه ؛ فعادت إليهم المخادعة ، وعوقبوا بما أطلع على ضميرهم ، وبما أرادوا ذلك الأمن ، فأعقبهم الله خوفا دائما كما وصفهم الله (يَخْشَوْنَ النَّاسَ ...) الآية [النساء : ٧٧]. وقال : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) [المنافقون : ٤]. وقال : (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [محمد : ٢٠] ، وقال : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ ...) الآية [الأحزاب : ١٩] ، وقال : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ...) الآية [التوبة : ٦٤].
أو أن يكونوا طلبوا ـ بإظهار الموافقة فى الدين ـ الشرف فيهم والعز ، وكذلك عند الكفرة مما أظهروا أنهم يخادعون بذلك المؤمنين ، ويستهزءون بهم ؛ فعلموا أنهم كذلك يظهرون للمؤمنين حالهم معهم ، فطردوا من بينهم فقال الله : (ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ) [المجادلة : ١٤] ، وقال : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ ...) الآية [النساء : ١٤٣] ، فزال عنهم ما التمسوا من الشرف والعز ، وأبدل لهم به الهوان والذل.
فمثلهم فى ذلك مثل مستوقد نار ليستضيء بضوئها ، وينتفع بحرّها ، فأذهب الله ضوءه
__________________
(١) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ٥٣) ونسبه لعطاء ومحمد بن كعب.