ونموذج آخر : ففي قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة : ٤٨] يقول الإمام ابن كثير : «لما ذكرهم تعالى بنعمه أولا ، عطف على ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً) يعني يوم القيامة (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أي : لا يغني أحد عن أحد ، كما قال : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الزمر : ٧] ، وقال : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : ٣٧] ، وقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) [لقمان : ٣٣] فهذا أبلغ المقامات أن كلّا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا» (١).
فإذا قارنا بين هذه النماذج سنجد أن الماتريدي يأتي بالآيات المفسّرة ليعضد تحليله ، صحيح أن هذه الآيات تدور في فلك الآية المفسّرة ، لكنها لا تتوجه إلى تفسير الآية المفسّرة مباشرة ، وتكون في معناها ، أو تفصل إجمالها كما عند ابن كثير.
وهذا يدعونا إلى القول بأن الماتريدي كان من المجددين في الطريقة حتى مع اعتماده على تفسير القرآن بالقرآن.
وهنا ملاحظة يجدر إثباتها ، وهو أنه بالرغم من أسبقية الماتريدي عن ابن كثير نجد طريقته في التفسير تتسم بالجدة بخلاف الأخير ، فإن طريقته تكاد تدور في فلك طريقة أوائل المفسرين ، ولسنا بذلك نعيب على ابن كثير طريقته ، لكن نريد إثبات الفارق بينه وبين الماتريدي الذي يعتبر سابقا إلى التجديد في التفسير حتى لكثير ممن جاء بعده.
ب ـ تفسير القرآن بالسنة :
لا يترك الماتريدي الاعتماد على السنة ، لكن اعتماده عليها قليل إلى حد ما ، وهو يأتي بالأحاديث المتوافقة والمفسرة للآية موضع الحديث ، ولكن الجدير بالملاحظة أنه يذكر بعض الأحاديث النبوية بالمعنى ، وكأنه يعتمد على حفظه ولا يرجع إلى نصوص الأحاديث أثناء تأويله.
ومن نماذج تفسيره بالحديث في السور محل التحقيق ما جاء عند تفسير قوله تعالى : (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] فبعد ما فسر المقصود من سؤال موسى ربه الرؤية ، وأخذ يعدد الأوجه المحتملة في الآية ، قال : «لكنه لو لا أن القول بالرؤية كان أمرا
__________________
(١) السابق (١ / ٨٩).