أجمعوا عليه أخذوا به ؛ لأجل الإجماع : انطلاقا في ذلك من عين المسلمتين اللتين ذكرناهما بالنسبة لإجماع الصحابة بل قل ذلك بالنسبة لكل إجماع أيضا.
فإن لم يكن إجماع فإنه ينظر : فإن توفر في قول أحدهم شرطان :
أحدهما : أن يكون له حكم المرفوع المرسل بأن كان فيما ليس للرأي فيه مجال ، ولم يكن قائله كذلك معروفا بالأخذ عن الإسرائيليات.
وثانيهما : أن يكون إماما من أئمة التفسير الآخذين لتفسيرهم عن الصحابة : كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ، أو يتأيد قوله بمرسل آخر مثلهم أو نحو ذلك.
نقول : إن توفر في قول التابعي هذان الشرطان يترجح عند القوم الأخذ به.
وقد ذهب أكثر المفسرين : إلى أنه يؤخذ بقول التابعي في التفسير ؛ لأن التابعين تلقوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة ، فمجاهد مثلا يقول : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها. وقتادة يقول : ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا.
ولذا حكى أكثر المفسرين أقوال التابعين في كتبهم ونقلوها عنهم مع اعتمادهم لها.
والذي تميل إليه النفس : هو أن قول التابعي في التفسير لا يجب الأخذ به إلا إذا كان مما لا مجال للرأي فيه ، فإنه يؤخذ به حينئذ عند عدم الريبة ، فإن ارتبنا فيه ؛ بأن كان يأخذ من أهل الكتاب ، فلنا أن نترك قوله ولا نعتمد عليه ، أما إذا أجمع التابعون على رأي فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعداه إلى غيره.
قال ابن تيمية : قال شعبة بن الحجاج وغيره : أقوال التابعين ليست حجة ، فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني : أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم ، وهذا صحيح ، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن ، أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك (١).
هذا هو الأصل في التفسير بالمأثور ، وما تحرر منه سبعة أمور :
أولها : ما كان تفسيرا للقرآن بالقرآن.
__________________
(١) ينظر : مقدمة في أصول التفسير ص (٢٨ ، ٢٩) والإتقان في علوم القرآن (٢ / ١٧٩) ، والتفسير والمفسرون (١ / ١٢٩ ، ١٣٠).