فهذا الموقف يكشف ـ أولا ـ عن تهيب عمر بن الخطاب مقتديا بأبي بكر من القول في كتاب الله ، ويكشف ـ ثانيا ـ عن أنه برغم التهيب فإن عمر أدلى بدلوه في التفسير ، وذلك حين تكون هناك مصالح عملية وواقعية تتوقف على مدلول العبارة.
ولكي يصل إلى جواب قاطع للمسألة ، كان أحيانا يلجأ إلى طرح المسألة على الناس ، مثلما فعل في مسألة تحديد ليلة القدر ، فقد روى أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جلس في رهط من الصحابة فذكروا ليلة القدر ، فتكلم كل بما عنده ، فقال عمر : ما لك يا ابن عباس لا تتكلم؟ تكلم ولا تمنعك الحداثة ، قال ابن عباس : فقلت : يا أمير المؤمنين إن الله وتر يحب الوتر ، فجعل الدنيا تدور على سبع ، وخلق أرزاقنا من سبع ، وخلق فوقنا وتحتنا سبعا ، فأراها في السبع الأواخر من رمضان ، فتعجب عمر ، وقال : ما وافقني فيها أحد إلا هذا الغلام الذي لم تستو شئون رأسه (١).
والحق أن عمر بن الخطاب في تفسيره للقرآن كان يسلك مسلكا واقعيّا عمليّا ، بمعنى أنه إذا كانت هناك مصلحة عملية تتوقف على تحديد مدلول اللفظ ، فإن التفسير في هذه الحالة يصبح بحثا ملحّا وأمرا ضروريّا ، وأما إن لم تكن هناك مصلحة عملية فلا بأس عنده ألا يدري مدلول اللفظ ؛ ولذلك نجده فيما يروى عنه حين كان يقرأ قوله تعالى : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس : ٢٧ ـ ٣١] فقال : الفاكهة والقضب ، وهذه الأشياء عرفناها ، فما الأبّ؟ فوضع يده على رأسه ثم قال : «إن هذا لهو التكلف يا ابن الخطاب ، وما عليك ألا تدري ما الأبّ؟» (٢).
ومن كل ما سبق يتكشف لنا أن دور عمر بن الخطاب في التفسير كان دورا محدودا ، لكنه لبنة في تطور التفسير لا يمكن إهمالها وتركها دون الإفادة منها.
٢ ـ علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ :
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو الحسن ابن عم النبي صلىاللهعليهوسلم وختنه على ابنته ، أمير المؤمنين ، يكنى : أبا تراب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي أول هاشمية ولدت هاشميّا ، له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا ، اتفق البخاري
__________________
(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦ / ٦٣٥) وذكر له طرق أخرى منها طريق عاصم أخرجه محمد بن نصر ، وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقى ، وطريق عكرمة أخرجه عبد الرزاق ، وابن راهويه ، ومحمد بن نصر ، والطبراني ، والبيهقى ، وطريق سعيد بن جبير أخرجه ابن سعد ، وعبد بن حميد.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٥١) (٣٦٣٦٧) و (٣٦٣٦٨) و (٣٦٣٦٩) (٣٦٣٧٠) وسعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الشعب والخطيب والحاكم وصححه عن أنس عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٢٢).