وقد كثر استعمال لفظ «التأويل» في القرآن الكريم بمعنييه ، فمن الأول قول الله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [الأعراف : ٥٣] يعني ما يئول إليه في وقت بعثهم ونشورهم.
ومن الثاني قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : ٧] فالتأويل هنا يعني التفسير والتعيين والتوضيح.
التأويل اصطلاحا :
التأويل عند السلف في تعريفه غيره عند الخلف ؛ فالتأويل عند السلف يأتي على معنيين :
الأول : تفسير الكلام وبيان معناه ، وبذلك يكون التأويل والتفسير مترادفين.
والثاني : هو نفس المراد بالكلام ، فإن كان الكلام طلبا كان تأويله نفس الفعل المطلوب ، وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبر به.
وبين هذا المعنى والذي قبله فرق ظاهر ، فالذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام : كالتفسير والشرح والإيضاح ، ويكون وجود التأويل فيه القلب واللسان ، وله الوجود الذهني واللفظي والرسمي. وأما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج ، سواء أكانت ماضية أم مستقبلية ، فإذا قيل : طلعت الشمس ، فتأويل هذا هو نفس طلوعها ، وهذا في نظر ابن تيمية هو لغة القرآن التي نزل بها ؛ ولهذا يمكن إرجاع كل ما جاء في القرآن الكريم من لفظ التأويل إلى هذا المعنى الثاني (١).
أما الخلف من المتفقهة والمتكلمين والمتصوفين وغيرهم فقد رأوا أن التأويل يعني : صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.
والمتأول عندهم يحتاج إلى أمرين :
الأول : أن يبين احتمال اللفظ للمعنى الذي حمله عليه وادعى أنه المراد.
الثاني : أن يبين الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح ، وإلا كان تأويلا فاسدا وتلاعبا بالنصوص (٢).
ومن ثم قال الزركشي : «التأويل : التمييز بين المنقول والمستنبط ؛ ليحمل على
__________________
(١) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ١٩).
(٢) ينظر : السابق (١ / ١٩ ، ٢٠).