فجعل يلعنه والحسن لا يردّ ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليهالسلام فسلّم عليه وضحك فقال :
«أيُّها
الشّيخ أَظُنُّك غَريباً ، وَلَعلَّك شُبّهت ، فَلَو استَعتَبتَنا أَعتَبناكَ ،
وَلَو سَأَلتَنا أَعطَيناكَ ، وَلَو استَرشَدتَنا أَرشدناك ، وَلَو استَحمَلتَنا
أَحملناكَ ، وإن كُنتَ جائِعاً أَشبَعنَاك ، وَإِن كُنتَ عُرياناً كَسوناك ، وإِن
كُنتَ مُحتاجاً أَغنَيناكَ ، وإِن كُنتَ طِريداً آويناكَ ، وإن كانَ لَكَ حاجَةً
قَضيناها لَكَ ، فَلَو حَركتَ رَحلَكَ إِلينا وَكُنتَ ضَيفَنا إِلى وَقتِ إرتحالِك
كانَ أَعود عَلَيكَ ، لأنَّ لَنا مَوضِعاً رَحِباً وَجاهاً عَريضاً وَمالاً
كَثَيراً».
فلمّا سمع
الرجل كلامه بكى ، ثم قال أَشهدُ أَنّك خَليفة الله في أرضه ، اللهُ أَعلَمُ حيثُ
يَجعلُ رسالتهُ وكنتَ أَنت وأبوك أبغضُ خلق الله إليَّ ، والآن أَنت وأبُوكَ أحبُّ
خلق اللهِ إليَّ ، وَحوّل رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقداً
لمحبتهم .
٥ ـ وجاء في
كتاب «تحف العقول» : أنّ رجلاً من الأنصار جاء إلى الإمام الحسين عليهالسلام يريد أن يسأله حاجة ، فقال عليهالسلام : «يا
أخا الأنصار صُن وجَهك عَن بَذلِ المسألةِ وارفع حاجتَك فِي رقعةٍ فإنّي آت فِيها
ما ساركَ إن شاء الله» ، فكتب الأنصاري : يا أبا عبد الله إنّ لفلان عليَّ خمسمائة دينار وقد الجّ
بي فكلّمه ينظرني إلى ميسرة ، فلما قرأ الإمام الحسين عليهالسلام الرقعة ، دخل إلى منزله فأخرج صرّة فيها ألف دينار وقال
عليهالسلام له : «أَما خمسمائة فاقض بِها دينك وأمّا خمسمائة
فاستعن بِها على دَهرِكَ ولا تَرفع حاجتَكَ إلّا إِلى أحد ثلاث : إِلى ذِي دين ،
أَو مروّة ، أو حسب ، فأمّا ذو الدين فَيصُون دِينُهُ ، وأَمّا ذو المُروة فإنّه
يستحي لمروّته ، أَمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهكَ أن تَبذلُه فِي حاجتِكَ
فَهو يَصون وَجهكَ أن يردَك بِغير قضاءِ حاجتِك» .
٦ ـ ونقرأ في
حالات الإمام زين العابدين أنّه وقف على علي بن الحسين عليهالسلام رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه فلم يكلّمه ، فلما انصرف
قال لجلسائه : قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا احب أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا
منّي ردي عليه.
__________________