فتقول الآية : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ...).
وعلى هذا الأساس فانّ حسن خلق النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله هو في الحقيقة رحمة إلهية له ولأُمّته ، وبديهي أنّ هذا الخلق الحسن وقابلية الانعطاف ومداراة الآخرين تعد من البركات والمواهب الإلهية على كل إنسان يتحلّى بهذه الخصال والسلوكيات الحميدة.
ومن التعبير أعلاه في الآية الشريفة نجد النقطة المقابلة لهذا السلوك ، وهو أن يكون الإنسان غليظ القلب وسيئ الخلق وخشناً في التعامل مع الآخرين حيث تشير الآية إلى نتائج مثل هذا السلوك السلبي ، وهي تفرّق الناس وانفضاضهم عن هذا الإنسان الخشن وابتعادهم عنه ، وبعبارة اخرى أنّ (حسن الخلق) يمثّل اللبنة الاساسية في شد أوصال المجتمع وتقوية وشائج المحبّة بينهم ، وسوء الخلق عامل لتفرّق الأفراد وإيجاد الخلل في العلاقات الاجتماعية ويؤدّي إلى نفور الناس.
إنّ كلمة (فظ) و (غليظ القلب) يأتيان بمعنى واحد ويراد بذلك التأكيد ، ويمكن أن يكون لهما معنى مختلف عن الآخر ، ويقول (الطبرسي) في مجمع البيان في كلمة جامعة : «وقيل إنّما جمع بين الفظاظة والغلظة وإن كانا متقاربين لأنّ الفظاظة في الكلام فنفي الجفاء عن لسانه والقسوة عن قلبه» وعليه فكلا الكلمتين تردان بمعنى الخشونة والجفاء ، وأحدهما في الكلام ، والاخرى في السلوك والفعل.
وعلى أي حال فانّ الله تعالى قد وهب نبيّه الكريم حالة اللّيونة والانعطاف والبشاشة وحسن التعامل مع الآخرين بحيث أنّه كان يسلك هذا السلوك مع أعتى الناس وأخشنهم وأقساهم قلباً ، وبهذه الطريقة جذب هؤلاء القساة إلى الإسلام فاعتنقوا الإسلام من موقع الرغبة والشوق والانجذاب لهذا الخلق الرفيع.
وبتبع ذلك توجّه الآية سلسلة إرشادات وأوامر عملية تخرج حالة (حسن الخلق) والبشاشة من صورتها الظاهرة وتلبسها ثياباً عملية على مستوى الممارسة والتطبيق وتقول : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).